كان هذا عنواناً لموضوع برنامج «مع الحدث» عبر القناة الفضائية الألمانية dw الناطقة بالعربية للمشاهدين العرب قبل 5 أيام، قدمته وأدارته بحنكة ومهارة الإعلامية المثقفة المتألقة ديمة ترحيني، لمناقشة قضية حيوية وحساسة، تشغل الرأي العام الأوروبي والألمان خاصة، ويتصاعد الجدل حولها في الساحة الأوروبية، مع كل اعتداء إرهابي يرتكبه متطرفون إسلاميون في أوروبا.
بدأ البرنامج بتقرير حول الهجوم الإرهابي على مقر صحيفة «شارل أيبدو» الساخرة في العاصمة الفرنسية باريس في بداية العام الحالي، وكيف أن بعضهم استغل الحدث ليؤكد أن الإسلام لا يتواءم مع قيم الحرية والتسامح وقبول الآخر السائدة في المجتمعات الأوروبية، واليوم وعلى خلفية تدفق مئات الآلاف من اللاجئين العرب، الفارين من سورية والعراق ودول شمال إفريقيا، إلى أوروبا، وألمانيا تحديداً، يشتعل الجدل ويتصاعد مجدداً حول الإسلام وعلاقته بالعنف والإرهاب، وتسعى المنظمات اليمينية الأوروبية المتطرفة والمناهضة للإسلام والمعادية للمسلمين، وفي مقدمتها منظمة «بيكيدا» الألمانية، إلى استغلال الظروف الإنسانية الصعبة لهؤلاء اللاجئين لخدمة الأغراض السياسية، عبر إثارة مخاوف الألمان مما تدعيه بـ«أسلمة أوروبا» من أجل هذه المناسبة. استضافت مقدمة البرنامج 3 شخصيات مثقفة من أصول عربية تعيش وتعمل في ألمانيا، لتسليط الأضواء على علاقة الإسلام بالعنف، وهل هو بالفعل دين تسامح أم دين عنيف؟ ضيوف الحلقة على اطلاع واسع بالتاريخ الإسلامي والسيرة النبوية والعلوم الإسلامية، وهم: الدكتور طارق بدوية، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة مانيتس الألمانية، والدكتور صادق المصلي، من المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، والكاتب الروائي والباحث حامد عبدالصمد وهو من أصل مصري مقيم في ألمانيا، وله عدة مؤلفات منها: رواية «وداعاً أيتها السماء»، و«سقوط العالم الإسلامي»، ويقدم حلقات «صندوق الإسلام» على اليوتيوب، ينتقد فيها الإسلام انتقاداً عنيفاً، ويراه جزءاً من مشكلات العالم لإسلامي، ويردد أن القرآن الكريم كان كتاباً رائعاً ولكن للقرن السابع لا القرن 21، وقد أصدر مؤخراً كتاباً جديداً مستفزاً للمسلمين، ذهب فيه إلى القول بأن «داعش» يقلد أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، مما أثار غضب وانتقادات المسلمين في أوروبا والعالم الإسلامي، وإذ لا حرج على مقدمة البرنامج في اختيار ضيوفها من مختلف المشارب والتوجهات المتعارضة، فذلك من مقتضيات التشويق الإعلامي، إلا أننا منذ البداية، نكتشف أن الروائي المصري- وعلى خلاف الضيفين الآخرين- يشتطّ بعيداً، ليلصق العنف بالإسلام منذ تأسيسه، مستشهداً بآيات قرآنية، تدعو إلى قتال جميع المشركين، منزوعة من سياقها، ومفصولة عن أسبابها وظروفها ودوافعها، كما يتحجج بمرويات تنسب العنف إلى رسولنا الكريم، وهو الذي ضرب أروع الأمثلة في العفو والتسامح، مما استحق وصف القرآن له «وإنك لعلى خلق عظيم»، دون تمحيصها وتوثيقها تاريخياً، وعندما تسأله مقدمة البرنامج عن إمكانية إصلاح الإسلام، يرد بالنفي! الضيفان الآخران اجتهدا وقدما للمشاهدين من نصوص القرآن الكريم ومن سيرة رسولنا، رسول الرحمة، عليه الصلاة والسلام، ما يبرئ ساحة الإسلام من كل صلة بالعنف والكراهية قديما وحديثا، ووضحا أن الإرهاب له عوامله الداخلية وأسبابه الذاتية، كما بينا أن الإسلام كدين غير مسؤول عن سلوكيات منحرفة لبعض أتباعه وإن زعموا جهلا التزامهم به، كما ردا على المخالف بأنه انتقائي في استشهاده بالنصوص، وأحسب أنهما وفقا، أما انطباعي حول رأي الباحث حامد عبدالصمد في أن الإسلام مؤسس للعنف: قرآنا ونبيا وتاريخا، فهو أن لديه وثوقية عالية برأيه، وشأن الباحث التواضع وعدم الإطلاق وعدم ادعاء تملك الصواب، بل الشك المنهجي في صوابية الرأي، كما لاحظت على آرائه الصبغة العمومية، والتعميم خطأ معرفي وأخلاقي، إضافة إلى أنه لا يوثق مروياته، وإذا وثقها في السيرة النبوية أهمل ملابساتها وظروفها ودوافعها وأسبابها، كقوله إن الرسول أمر بقتل 900 من يهود بني قريظة بعد أن استسلموا، وتناسى نقضهم العهد وتآمرهم مع قريش للقضاء على المسلمين نهائيا لولا وحي السماء، ومع ذلك فإن الذي حدد مصيرهم صديقهم وحليفهم ابن معاذ، بناء على رضاهم بتحكيمه، وهل الدولة اليوم إذا نفذت الإعدام بالخونة بناء على حكم القضاء، تتهم بالعنف؟! كما لاحظت أن الكاتب يتجاهل ما قرره أهل الأصول من قواعد أصولية في إعمال الآيات القرآنية الموهمة بالتعارض، مثل قاعدتي «المطلق يحمل على المقيد» و«العام يخصص»، فإذا كان القرآن قد أمر بقتال المشركين مطلقا وعاما في آيات، فإنه جاء وقيد وخصص في آيات أخرى، موضحا أن المستهدف بالقتال، هم الذين يقاتلوننا لا المسالمون.ختاماً: ما أردت الوصول إليه وتأكيده من حديثي حول هذا البرنامج، عدة أمور:أولاً: عدم الحجر على الرأي المخالف مهما اشتط وتطرف واستفز، بل من حق المخالف أن يعبر عن قناعاته أو شكوكه عبر المنابر الإعلامية بحرية، ما دام ملتزماً عدم الإساءة إلى الآخرين أو سبهم أو تجريحهم.ثانياً: في المقابل، علينا استيعاب هذا الرأي الذي يربط الإسلام بالعنف، وتفكيكه علمياً ومنهجياً بالحكمة والتبصر، فالفكر لا يواجه إلا بالفكر، والأفكار لا يمكن القضاء عليها، لكن يمكن تحجيمها واحتواؤها.ثالثاً: علينا إدراك أن مثل هذا الرأي المستفز، له في الساحة أنصار وأتباع، والمواقع الاجتماعية وغيرها مؤشرات واضحة، ومن هنا، ومن منطلق، قوله تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» وقوله تعالى «وقولوا للناس حسناً»، علينا تجنب الإساءة إلى المخالف أو تجريحه أو شتمه أو إهانته أو تكفيره، ولنتذكر مقولة الشيخ محمد عبده قبل قرن «إذا احتمل قول 99 وجهاً للكفر، ووجهاً واحداً للإيمان، فاحتمله على الإيمان».* كاتب قطري
مقالات
الإسلام والعنف... جدل قديم جديد
02-11-2015