{الجيل الرابع}
في محاولة لتفسير إحجام الجمهور المصري عن مشاهدة الأفلام التي تنتجها السينما المصرية في الفترة الأخيرة، وإقباله – في الوقت نفسه – على الأفلام العالمية؛ خصوصاً الأميركية، قيل إن السبب يرجع إلى «فارق المستوى» المتمثل في عوامل كثيرة تملكها هذه الأفلام، كالإبهار، الابتكار، سرعة الإيقاع، تنوع الأفكار والقضايا، وفوق هذا وذاك احترام عقلية المتفرج! لكن يبدو أننا صرنا في حاجة إلى مراجعة هذه المقولات، التي تحولت إلى بديهيات لفرط تكرارها واستهلاكها بمناسبة ومن دون مناسبة؛ بدليل ما جرى لفيلم «الجيل الرابع»، الذي وضع فكرته عمرو سمير عاطف، وهو شارك في كتابة القصة والسيناريو والحوار مع محمد حماد، أنديل ومحمد إسماعيل أمين، وأخرجه أحمد نادر جلال. تتوافر في الفيلم العناصر الجاذبة كافة، من تصوير مبهر (أحمد يوسف) وقطعات مونتاج خاطفة (محسن عبد الوهاب) وديكور ملائم للأجواء (باسل حسام) وموسيقى رائعة هي في نظري البطلة الحقيقية للفيلم (عمرو إسماعيل)، بالإضافة إلى طريقة سرد تتسم بالتشويق والإثارة ولا تخلو من المفاجآت الطريفة، والمواقف التلقائية غير الصادمة، ورغم هذا لم يلق «الجيل الرابع» الترحيب الذي يستحقه، واحتل المركز قبل الأخير في قائمة ضمت أربعة أفلام أخذت طريقها إلى الجمهور في موسم عيد الأضحى المبارك!
المثير للدهشة، والألم، أن البطولة في فيلم «الجيل الرابع» لأربعة من الوجوه الشابة أقدمهم أحمد مالك بينما يقف خالد أنور، علي إسماعيل ومارك حجار أمام الكاميرا لأول مرة، ورغم هذا عانت التجربة {الشبابية» بمعنى الكلمة من انصراف المستهدفين من الفيلم، وهي شريحة الشباب التي يُقال إنها الأوسع رقعة في المكون الجماهيري، وتمثل السواد الأعظم منه، والتي اعتادت دعم وتشجيع الفيلم الأميركي، بحجج وأسباب مختلفة، ولما جاءت اللحظة التي تحتاج من أفرادها مؤازرة تجربة «الجيل الرابع» المتمردة على المألوف، والخارجة عن السياق، جنحت إلى السلبية، وأحجمت عن مشاهدة الفيلم في الصالات التجارية، واكتفت بموقفها المناهض لما دأبت السينما المصرية على تقديمه من دون أن تتحرك خطوة واحدة لتغييره أو دعم محاولات الانقلاب عليه ! العجيب – أيضاً – أن الفيلم لا يكتفي بالإبهار على صعيد الشكل، وإنما يُعلن انحيازه، من حيث الموضوع، إلى هذا الجيل من الشباب، الذي ظلمه المجتمع، وذلك الطابور من الأبناء الذين دفعوا ثمن إهمال الآباء، فالشباب الأربعة، على غرار ما حدث في فيلم «إحنا التلامذة» (1959) وأفلام مصرية كثيرة رصدت الفجوة بين الآباء والأبناء، تحولوا إلى مجرمين مُطاردين بواسطة أجهزة الأمن والإعلام، بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال وزير الداخلية، اقتحام قسم شرطة، إثارة الفتنة الطائفية، تدمير ممتلكات عامة، الانضمام إلى خلية إرهابية بالإضافة إلى جريمتي اغتصاب وابتزاز بينما هم في واقع الأمر ضحايا مجتمع أدمن التلفيق والمبالغة وسيطرت عليه سطحية أداء المسؤولين، وتفاهتهم، وسوء تقديرهم لكثير من الأمور بينما تغلغلت في جنباته كل صور ورموز الفساد! تميز الفيلم بطريقة سرد مبتكرة جرى من خلالها توظيف Flash Back وFlash Forward بطريقة معكوسة، وغير معهودة في السينما المصرية، ولم يُهمل تفصيلة من دون أن يستثمرها (الطفل الذي أصبح راهباً)، والاختيار المناسب للممثلين المعروفين (بيومي فؤاد، إدوارد، خالد سرحان، بدرية طلبة، أيمن قنديل وطلعت زكريا)، وهو ما انطبق على ضيف الشرف مجدي عبد الغني نجم كرة القدم السابق، وممثلي الأدوار المساعدة (محمود حافظ معاون اللواء عرعر)، والحرفية الواضحة من المخرج الشاب أحمد نادر جلال في تنفيذ مشاهد الحركة، وجرأته في الدفع بالوجوه الأربعة: أحمد مالك، خالد أنور، علي إسماعيل ومارك حجار إلى جانب الوجه الجديد ليلى فوزي، التي جسدت دور الفتاة «نسمة» التي تتلاعب بالشباب والرجال. يُحسب للشركة المنتجة (وليد صبري) دعمها التجربة التي لا تخلو من مغامرة، وإصرارها على عرض الفيلم في موسم يراه البعض فرصة لاستعراض السذاجة واجترار التفاهة. لكن الغريب والمؤسف في الأمر أن الرغبة في ضخ هذه الوجوه الشابة لم تكتمل، بعدما اقتصر الملصق على صورهم دون أسمائهم، كذلك وسائل الدعاية، بل إن جميع المقالات والتحقيقات الصحافية التي تناولت تجربة «الجيل الرابع»، ربما باستثناء جريدة واحدة هي «الوطن»،لم تقترب من أسماء الأبطال: خالد أنور، علي إسماعيل ومارك حجار، وراحت تُجري حوارات مع المخرج وكاتب الفكرة، بل إنها ذهبت لتجري لقاءات مع ممثلي الأدوار الثانوية طلعت زكريا، خالد سرحان وعبد الباسط حمودة، الذي قدم أغنية الدعاية، من دون أن تُلقي الضوء على الأبطال الحقيقيين للتجربة أو تقوم بتعريفهم للناس، ولعلي لا أبالغ عندما أقول إن أحداً حتى اليوم، وبعد مرور أسابيع عدة على عرض الفيلم، لا يستطيع أن يُطابق بين صورة أحد الوجوه الثلاثة الجديدة واسمه!