أوباما يكثف جهوده لتحسين صورة واشنطن في قمة التغير المناخي
أجهض مشروع خط الأنابيب من كندا ويدعم مقاضاة «أكسون - موبيل»
عندما يتوجه أوباما إلى باريس في الشهر المقبل، لحضور قمة الأمم المتحدة بشأن المناخ، سوف يستشهد بقراره بشأن كيستون، إضافة إلى خطوات أخرى عديدة اتخذها في الآونة الأخيرة، بغية تحسين سلطته الأخلاقية عندما يضغط على نظرائه للموافقة على اتفاق عالمي للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
تمر شركات النفط الكبرى في مرحلة صعبة، فالأسعار متدنية، وسوف تظل على هذا المنوال، والرئيس أوباما أجهض مشروع بناء خط انابيب كيستون إكس إل Keystone XL من كندا، بينما يسعى النائب العام في نيويورك لمعرفة ما إذا كانت شركة اكسون موبيل قد أخفت نتائج علمية أكدت منذ عقود من الزمن أن استهلاك الوقود الحفري يسهم في تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري العالمي. وتجدر الإشارة في هذه اللحظات العاصفة الى النقاط التي تتفوق فيها الرمزية على الجوانب الجوهرية، فنسلط ضوءا على تطور هذه المسألة.
لقد بدأت شركة اكسون موبيل، التي اشتهرت منذ زمن بعيد بمعارضتها للأنظمة الصديقة للبيئة، بتخفيف موقفها إزاء العلم الأساسي الضمني، ومضت الى حد الدعوة، ولو من الوجهة النظرية، الى الحاجة الى الحد من انبعاثات غازات البيوت الدفيئة، عندما خلف ركس تيلرسون السيد لي رايموند في منصب الرئيس التنفيذي في سنة 2006. وعلى الرغم من ذلك استمرت شركة الطاقة الأكبر في العالم في ضخ ملايين الدولارات الى جيوب أعضاء الكونغرس الرافضين لقضية التغير المناخي، حتى بعد التعهد في عام 2007 بالتوقف عن ذلك، وفق بيانها، "الذين يمكن لموقفهم إزاء تغير المناخ أن يحول الانتباه عن النقاش المهم حول كيفية ضمان العالم لمصادر الطاقة". وفي الرابع من الشهر الجاري، تلقت الشركة استدعاء من النائب العام في نيويورك اريك شنيدرمان الذي كان يسعى للحصول على وثائق يظن أنها ستكشف كيف خدعت شركة اكسون المستثمرين والعامة حول ما كانت تعرفه عن تغير المناخ (تنفي اكسون هذه الاتهامات) ويسعى النائب العام ايضاً الى عرض لموقفه إزاء مسألة المناخ، وهو لا يتحدث عن التحقيق، وإنما كما لو كان ينتظر تلقي تهنئة من آخرين. وقالت المرشحة الديمقراطية لسباق الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية في نيو هامبشير إنها "فخورة جداً بالنائب العام في نيويورك اريك شنيدرمان، لأنه أعلن انه سيحقق في قضية إكسون". بيانات متناقضة محتملةالحصيلة المتوقعة التي قد تنجم عن مضي شنيدرمان في تحقيقاته ستتمثل في أن الرؤساء التنفيذيين والعلماء في شركة إكسون طرحوا تاريخياً بيانات متناقضة حول دور البشر في تغير المناخ، وهو سجل أكثر تناقضا مما قيل بشأن جهود صناعة التبغ في مكافحة أخطار التدخين.وسوف يكتشف أيضا أن إكسون وبينما انضمت الى شركات وجمعيات تشكك في المسار السائد لعلم المناخ مثل الائتلاف العالمي للمناخ ورويال داتش شل وبي بي وغيرها أيضا، فإن تلك الشركات قد أقرت بالواقع بصورة أسرع وأكثر وضوحا من إكسون.ينبع تناقض الصناعة بشأن قضية المناخ من المصلحة الذاتية: فشركات النفط تريد أن تستمر في بيع انتاجها (وهو ما ستواصل اقتصادات العالم طلبه في المستقبل المنظور)، ولكن تلك المصلحة الذاتية تطورت الى نسخة أكثر تنويرا وعلى شكل شركات هندسية تعتمد على العلم أرغمت على الاعتراف بالإجماع القائل إن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من غاز البيوت الدفيئة قد أسهم في زيادة حرارة الجو، والبحار بشكل خاص. وهذا الاعتراف لا يعني موافقة منتجي النفط على كل رد مقترح حول تغير المناخ، ولكنهم لم يعودوا يقاومون الحقائق الأساسية. كما أن السعي الى تحقيق الربح يتطلب الآن الاصطفاف إما مع أو ضد السياسات التي تطرحها الضغوط الشعبية بشأن المناخ. دوافع قرار أوباما وفي ما يتعلق بمشروع كيستون إكس إل، قال أوباما إنه طرح قراره بشأن وقف العمل في مشروع خط الأنابيب المقترح المعروف باسم ترانز كندا الذي يبلغ طوله 1200 ميل على شكل إشارة سياسية حيوية. وهذا المشروع الذي جرت مناقشته في الكونغرس الأميركي طوال 7 سنوات كان سينقل 800 ألف برميل من البترول الثقيل الكربون من رمال الزيت في كندا الى المصافي في ساحل الخليج في الولايات المتحدة. وقال أوباما في البيت الأبيض في السادس من نوفمبر "أميركا رائدة الآن عندما يتعلق الأمر باتخاذ إجراء جدي حول محاربة تغير المناخ. والموافقة على هذا المشروع ستخفض تلك الريادة". وعندما يتوجه أوباما الى باريس في الشهر المقبل لحضور قمة الأمم المتحدة بشأن المناخ سوف يستشهد بقراره بشأن كيستون، إضافة الى خطوات أخرى عديدة اتخذها في الآونة الأخيرة، بغية تحسين سلطته الأخلاقية عندما يضغط على نظرائه للموافقة على اتفاق عالمي للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. وتشمل الأسباب المتعلقة بالنظر الى مبادرة أوباما بشأن خط الأنابيب بتشكيك وريبة ما أقر به أوباما نفسه من أن "التوقف عن العمل في كيستون لن يمنع كندا من تصدير النفط الى الولايات المتحدة، أو الى أي جهة أخرى، لأن أنابيب النفط والطرق الحديدية الأخرى موجودة أساسا". وقال أوباما إن كيستون "أصبح رمزاً يكثر استخدامه على شكل حملات من قبل الحزبين، وليس مسألة سياسة جدية". فرص العمل الضائعةالآلاف من فرص العمل التي بشر بها مؤيدو مشروع كيستون كانت ستتركز في معظمها في ميادين البناء وملحقاته مثل خدمات الطعام، وكانت سوف تستمر مدة سنتين فقط، وهي فترة إنجاز خط الأنابيب المذكور. وعلى العكس من ذلك فإن الوظائف الدائمة كانت سوف تقاس بالعشرات فقط. ومن جهة أخرى، فإن توقف مشروع كيستون لن يعطل تطوير النوعية غير العادية من منتجات كندا البترولية اللزجة المعروفة باسم بيتومين. وحتى في الأسعار الحالية المتدنية نسبيا عند 50 دولارا للبرميل، فإن مشاريع رمال الزيت "إيجابية من وجهة نقدية"، وفق الرئيس التنفيذي لشركة شل بن فان بوردن. وسيكون رائعاً أن يتمكن أوباما من توجيه مؤتمر باريس نحو تقدم، ولكن الأهداف المرجوة حول خفض الكربون – إذا أمكن الاتفاق عليها – لن تكون لها تأثيرات كبيرة حقيقية إلا إذا رافقتها سياسات تساعد على تحقيق تلك الأهداف. ويتمثل أكثر الأهداف أهمية في فرض سعر على كل طن من انبعاثات الكربون. ومن شأن فرض سعر على الكربون في الولايات المتحدة وحول العالم إطلاق قوى السوق من اجل خفض الانبعاثات، وسوف تصبح مصادر الغازات الدفيئة مثل الفحم أقل فائدة من الوجهة الاقتصادية، كما أن الصناعة ستشعر بوجود حوافز لاختبار التقنية التي يمكن أن تخفض التأثير المناخي لاستمرار استخدام الوقود الحفري. ويوصلنا هذا الى التقنية المعروفة باسم اصطياد وعزل الكربون (سي سي إس) التي انتشرت منذ عقود وتنطوي على طرق ذات ثمن لخفض الانبعاثات من مصانع الطاقة ومصافي النفط. وفي توقيت سيئ غير مقصود اختارت شركة شل اليوم نفسه الذي أعلن أوباما فيه نهاية مشروع خط انابيب كيستون – 6 نوفمبر – للاحتفال بتدشين مشروع سي سي إس يرتبط بعملية رمال الزيت أثاباسكا في ألبرتا. وقد صممت هذه المبادرة التي عرفت باسم " كويست سي سي إس" لفصل وتخزين آمن في باطن الأرض أكثر من مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا. وهي الكمية التي يتم توليدها خلال العملية الأولية من تكرير البيتومين للنقل. وتعد كمية مليون طن كبيرة وهي تعادل الانبعاثات السنوية لحوالي 250000 سيارة – ولكن كويست أثبت أن "سي سي إس" ليس الدواء لكل الأمراض. ومشروع شركة شل يزيل فقط ثلث كمية ثاني أكسيد الكربون التي ينتجها بيتومين الشركة المطور، وهذا يعني أن كمية الثلثين التي تصدر عن نصف مليون سيارة سنويا سوف تنطلق في الجو. محدودية «كويست» وعلى الرغم من محدودية مبادرة كويست، فإنها تظهر أن الاستعمال الصحيح للحوافز يمكن أن يحقق سي سي إس. وتفرض ألبرتا سعرا للطن من الكربون يبلغ 11.25 دولارا، ويقول فان بوردن إنه يشكل دفعة بسيطة مساعدة نحو خفض الانبعاثات. كما أن حكومتي ألبرتا وكندا وفرتا 650 مليون دولار على شكل مساعدات لبناء كويست، وخصصت وزارة الطاقة الأميركية 500 ألف دولار اخرى من أجل مراقبة سلامة الكربون المدفون على بعد ميل وربع الميل في باطن الأرض. ويقول فان بوردن إن 15 مشروعاً جديداً في معظمها من سي سي إس – بما فيها كويست - تعمل الآن حول العالم. وهذه التقنية لن تنتعش في ظل غياب دعم حكومي أو نظام تسعير للكربون عند 60 دولارا الى 80 دولارا للطن، وهو شيء يبدو غير محتمل في الوقت الراهن. ويضيف "نحن لا نحقق أموالا من إبقاء ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض، ولذلك فإن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك تكمن في فرض سعر على انبعاث الكربون".