مستبعد جداً، لا بل مستحيل أن تتفق الدول والأطراف المعنية على ماهية التنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي السورية صغيرة كانت أم كبيرة، فالـ17 دولة التي أدلت بدلائها بالنسبة إلى هذا الموضوع، لكل منها التزامه ومصلحته وتوجهاته وحساباته الخاصة، مما يعني أن هذه المسألة لا يمكن حسمها، وبالتالي فإن الاتفاق في النهاية سيرسو على تنظيمين فقط هما "داعش" وجبهة النصرة، وذلك مع أن هناك من يدافع عن الجبهة هذه، ويراهن على أنها ستفك ارتباطها عاجلاً أم آجلاً بتنظيم "القاعدة" بزعامة أيمن الظواهري.
والمعروف أن الأردن الذي جرى تكليفه بوضع قائمة بالتنظيمات الإرهابية التي سيتم استثناؤها من عملية الحل السياسي للأزمة السورية قد أعلن، على لسان وزير خارجيته ناصر جودة، أن ما توصل إليه في هذا المجال لا يمثل رأيه إطلاقاً، بل رأي هذه الدول الـ17، وحقيقة أن هذا الإيضاح كان لابد منه تحاشياً لمضاعفات من الضروري تجنبها، بينما غدت هذه المنطقة غير مستقرة، وبات من المتوقع أن "يقع"، وفي أي لحظة ما ليس في الحسبان!وغير ممكن أن يكون هناك أي توافق بين هذه الدول كلها على تحديد التنظيمات الإرهابية العاملة على الساحة السورية، فالروس لهم رأيهم الذي يتفق مع مصالحهم، ويخدم احتلالهم لسورية، وما ينطبق على هؤلاء ينطبق على الأميركيين، وعلى كل واحدة من دول الاتحاد الأوروبي الفاعلة وعلى العرب والإيرانيين، وعلى كل من وضع أصبعه في هذه "الطبخة" السورية، وهذا معناه أن لا حلول قريبة، وأن الصيغة التي تبناها مجلس الأمن الدولي بعد توافق روسيا والولايات المتحدة عليها في اجتماع نيويورك الأخير، صيغة رمادية وحمالة أوجه ومعرضة للانهيار والتشظي في أي لحظة.وهكذا... وعندما تتطلب الأمور أن يُظهر الروس والأميركيون أنهم حققوا خطوة كبيرة على طريق الألف ميل، وحقيقة أنهم لم يحققوا شيئاً، وأنهم لجأوا إلى الضبابية المحيرة لتفادي إعلان الفشل الذي ستدفع ثمنه سورية، وسيدفع ثمنه الشعب السوري، فإن كل ما قيل عن نجاحات يمكن البناء عليها للوصول إلى الهدف المطلوب هو مجرد أماني خادعة، وهو مجرد أوهام يحتاج تحقيقها إلى تصفية حسابات كثيرة؛ أولها إخراج روسيا من المعادلة عسكرياً والإبقاء على دورها السياسي، لأنه لا غنى عن هذا الدور، طالما أن المشكلة السورية تحولت إلى مشكلة دولية وإلى ميدان تتسابق فيه خيول كثيرة.وهنا إذا أردنا أن نتحدث عن الإرهاب وعن القوى والتنظيمات الإرهابية في سورية، فإنه لا يمكن استثناء هذا النظام، نظام بشار الأسد، الذي بادر منذ بدايات انفجار هذه الأزمة إلى تشكيل "ميليشياته" الخاصة، والذي "أباد" من الشعب السوري أضعاف أضعاف ما أبادته التنظيمات والقوى المعارضة المعتدلة والإرهابية، والذي أظهرت الصور التي وصلت إلى الأمم والهيئات الدولية الأخرى أن سجونه ومعتقلاته كانت ولاتزال مسالخ بشرية، "الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود"!وإذا أردنا أن نتحدث عن التنظيمات الإرهابية في سورية، فإنه لا يمكن استثناء إيران التي بقيت تدير على مدى الأعوام الخمسة الماضية عشرات الميليشيات الطائفية، من بينها حزب الله، وكل واحد منها ارتكب من البشاعات والمذابح البشرية ربما أكثر مما ارتكبه "داعش" أو جبهة النصرة.ولهذا وبالنتيجة فإنه بالإمكان القول بقناعة تامة إن ما تم قبل أيام في نيويورك هو مجرد عملية "تسكين مؤقت"، وتجنب للاعتراف بالفشل، إذ إن كل شيء بقي على ما هو عليه وبلا أي حسم، وبما في ذلك مصير بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وقبلها وبعدها.
أخر كلام
لا حلول... والأزمة السورية مفتوحة على شتى الاحتمالات!
21-12-2015