مغالاة النجوم في أجورهم تهدد الدراما التلفزيونية
مع بداية التحضير للموسم الدرامي الجديد، فوجئت جهات الإنتاج بطلب النجوم أجوراً {مبالغاً فيها}، والغريب أن شركات الإنتاج تتنافس للفوز بهذا النجم أو ذاك، رغم المغالاة في الأجور، وذلك يسهم في زيادة موازنة العمل، وينذر بموسم درامي مكدس بالإعلانات لتغطية تكاليف العمل.السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن وقف هذه الدائرة اللعينة، التي تبدأ بزيادة أجر النجم، وما يستتبع ذلك من زيادة القنوات الفواصل الإعلانية لتعويض ما تم دفعه؟
يرى المنتج محمد العدل أن ثمة مبالغة في ما يُعلن من أجور النجوم، بهدف الترويج للنجم ولشركة الإنتاج، {للأسف يكون النجم مصدر هذه الإشاعة دائماً في محاولة لإثبات أنه الأفضل، وقد انساقت خلفه شركات الإنتاج}. يضيف أن ذلك لا يمنع وجود زيادة غير مبررة في أجور النجوم أثرت على موازنة الأعمال الدرامية، وبالتالي على مستوى العمل الفني، الذي أصبح يتحكم فيه الأجر ويقيس عائد الإعلانات نجاحه وليس قيمة العمل ذاته. يتابع: {يؤدي ذلك في النهاية إلى انهيار صناعة الدراما وخروج شركات الإنتاج من المنافسة، لعدم قدرتها على مجاراة هذا المزاد الغريب، أو يضطر بعض شركات الإنتاج إلى الاعتماد على وجوه جديدة ونجوم الصف الثاني، في مواجهة هذا العبث وتحقيق نجاح من خلال عمل جيد ومتكامل، حدث ذلك في السينما عندما بالغ النجوم في الأجور، وحدثت أزمة السينما وظهر جيل جديد من النجوم ثم انخفضت الأجور بعد خروج بعض شركات الإنتاج من الصناعة}.أرقام غير صحيحةيوضح سامح الصريطي أن المنتج لن يدفع أجراً للنجم، إلا إذا كان يستحقه وسوف يحقق عائداً من خلاله، بالإضافة إلى أن الأرقام المُعلنة ليست صحيحة على الإطلاق.يضيف: {كل ما في الأمر أن الفنانين خفضوا أجورهم بعد ثورة 25 يناير للتخفيف من أزمة الإنتاج الدرامي، وبعدما حدث نوع من الرواج قرروا زيادة الأجور لتعود إلى ما كانت عليه أو تزيد، وهذا من حقهم، لأنهم يحققون مكسباً للمنتج وللقنوات الفضائية}. يعزو سبب الأزمة إلى تراجع الدولة عن أداء دورها في تقديم فن ذي قيمة، وترك الساحة للقطاع الخاص الذي يبحث عن ربح، وتحول الفن من خدمة وقيمة ثقافية إلى سلعة تدر ربحاً عبر التطرق إلى موضوعات مضمونة النجاح وجاذبة للإعلانات. يتابع: {منذ سيطرت الإعلانات على صناعة الدراما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه ستتراجع القيم الثقافية والأخلاقية ودور الفن، وتزداد القيم المادية والمكسب والخسارة واستغلال الفن في تحقيق ربح من دون أي اعتبار}.ربح وخسارةيؤكد المخرج محمد حمدي أن الفن في النهاية سلعة تُدار بفكر المكسب والخسارة ليس في مصر فحسب، بل في العالم كله، {لكن إلى جانب هذا الفكر توجد دولة ترعى الفن والثقافة، إما بالإنتاج المباشر أو بحزمة قوانين لتنظيم الصناعة، {وهذا للأسف غائب عندنا، فقد تراجعت الدولة بشكل نهائي على المستويات كافة، ما سمح للقطاع الخاص بالسيطرة على الصناعة وإدارتها بما يحقق له الربح}. يضيف: {في فرنسا تدعم الدولة الفن بشكل مباشر، حتى تذكرة السينما خاضعة للدعم والتصنيف العمري بالقانون، ليتسنى للأسرة دخول السينما بأقل كلفة ممكنة، أيضا في هوليوود ترعى الدولة الفن وتساعد المنتج الخاص على الإنتاج، وفي مصر يوافق القانون على التأمين على معدات المصنع ويرفض التأمين على معدات السينما}.يتابع أن السبيل للخروج من هذه الأزمة عودة الدولة للاهتمام بالفن واعتماد شركات الإنتاج على وجوه جديدة وجيدة تحقق النجاح من دون تكاليف عالية.منظومة خطأترى حنان مطاوع أن الفنان جزء صغير في العملية الإنتاجية، لأن المنظومة كلها خطأ يصعب التركيز على أجور النجوم كأحد أسباب المشكلة، مشيرة إلى أنها تدعم الاعتماد على وجوه جديدة، {لكن بعد فترة سيتحول هؤلاء النجوم الشباب إلى نجوم كبار، ويطالبون بأجور كبيرة}.تضيف: {المبرر موجود وهو أن المنتج إن لم ير من وراء هذا النجم عائداً كبيراً لن يدفع هذا الأجر، الحل، في رأيي، دخول الدولة في صناعة الدراما بالإنتاج المباشر، وسن قوانين تنظمها، تاريخنا السينمائي والدرامي الذي نعيش عليه إلى الآن وكبار نجومنا كانوا نتاج المؤسسة العامة للسينما وقطاع الإنتاج في التلفزيون}.في السياق نفسه يرى الناقد طارق الشناوي أن تحديد أجر النجم يخضع للعرض والطلب، ولو لاحظ المنتج أنه لن يحقق أي ربح من وراء هذا النجم لما دفع له هذا الأجر، {لا يمنع ذلك من أن الأجور وصلت إلى مرحلة تهدد صناعة الدراما ذاتها، إن لم تتوقف عند هذا الحد، ويتم تنظيم سوق الإعلانات وسعر دقيقة الإعلان}. يضيف: {ما يحدث من سباق بين النجوم حول الأعلى أجراً وبين شركات الإنتاج للسيطرة على نجوم الدراما أصحاب أعلى مشاهدة، قد يؤدي إلى انهيار الصناعة ذاتها وخروج بعض شركات الإنتاج التي لن تستطيع المنافسة على أجور النجوم}.تدمير صناعة الدراماتشير الناقدة حنان شومان إلى أن ما تقوم به {أم بي سي} هو إفساد وتدمير لصناعة الدراما المصرية بهدف السيطرة عليها، وتتساءل: ما العائد الذي تحققه هذه الشركة رغم رفعها غير المبرر لأجور النجوم، ومن ثم ارتفاع تكاليف إنتاج المسلسل في حين أن عائد الإعلانات محدد ولن يواجه هذه الزيادة الرهيبة في الأجور التي تتكرر كل عام؟تضيف أن ما تفعله {ام بي سي} يذكرها بما فعلته {روتانا} وشركة {غود نيوز} في السينما قبل سنوات، عندما تسببا في رفع أجور نجوم السينما بشكل مبالغ فيه، وكانت النتيجة أنهما لم يستمرا كثيراً، ولكن شكلا أحد أسباب أزمة السينما التي استمرت سنوات، فخرج بعض شركات الإنتاج من السوق وانخفض الإنتاج السينمائي ، وهو ما سيحدث في الإنتاج الدرامي في السنوات المقبلة.بدوره يلفت الناقد نادر عدلي إلى أن خروج التلفزيون المصري من الساحة وفقد ريادته في الإنتاج الدرامي سمحا للكيانات الكبيرة، لا سيما {إم بي سي}، بالدخول إلى السوق بهدف السيطرة على الدراما المصرية، من خلال جذب النجوم بأجور عالية. يضيف أن نسبة المشاهدة تأثرت العام الماضي وانخفضت بسبب زيادة الفقرة الإعلانية، {وهو ما سوف يتكرر العام المقبل، إذا استمرت الفواصل بالطريقة نفسها وإن كنت أعتقد أنها سوف تزيد، ما يعني لجوء الجمهور إلى {يوتيوب}، ومن ثم خسارة كبيرة لشركات الإعلان والقنوات الفضائية.يضيف: {على الجميع إدراك من الآن أن نهاية هذا السباق خسارة للجميع وانهيار الصناعة بالكامل، وعلى كل نجم أن يكون من الذكاء فلا يلهث وراء أجر عال ثم يتوقف عن العمل بعد ذلك، لعدم قدرة شركات الإنتاج على دفع هذا الأجر}.