نجوم غابت عن سمائنا

نشر في 13-08-2015
آخر تحديث 13-08-2015 | 00:05
 يوسف عبدالله العنيزي إن التغيير سنّة الحياة، فلا يمكن أن يستمر وضع على ما هو عليه مدى الدهر، ولكن ذلك لا يمنع أن يأخذنا الحنين أحيانا إلى الماضي بكل ما فيه من صور.

 منذ أسابيع ذهبت مع أحد الأصدقاء إلى "الشارع الجديد" في مدينة الكويت، نظرت إلى المكان ورواده حقاً هذه الكويت التي نعرفها، المكان غير المكان والزمان غير ما كان، المكان ليس بعيداً عن موقع بيتنا القديم في أحد أحياء المرقاب، وما زلت أذكره بكل تفاصيله، باب خشبي "بوخوخة" ثم دهليز فيه غرفة الضيافة، يتوسطها موقد النار "ايواق" ثم غرفتان، أما السطح فكان يستخدم للنوم في ليالي الصيف الحارة، حيث يقوم المكيف الشعبي "الباكدير" بمهمة السنترال.

في تلك الليالي المقمرة وعندما كنا نستلقي على الفراش، وننظر إلى السماء وقد ازدانت بتلك النجوم المشعة التي أضاءت الكون الممتد إلى ما لا نهاية، فتحاصر عقلنا الصغير علامات استفهام كبيرة لا حصر لها، أين تقع؟ وكم تبعد عنا؟ وما الذي يجعلها مضيئة؟ ثم كم عددها؟ أسئلة نعجز عن إدراكها.

 بجانب تلك النجوم في السماء كانت هناك نجوم تعيش بيننا وتؤثر في حياتنا، ففي الماضي القريب وعندما ندخل إلى إحدى المكتبات الخاصة لشراء بعض الكتب أو المجلات يستقبلك عميد الأدب العربي طه حسين يستمع إلى دعاء الكروان، وبيده كتاب "الشيخان"، وينظر ببصيرته الثاقبة إلى العقّاد وهو يحتضن عبقرياته بشموخ وكبرياء وبجواره جلس الحكيم.

 وإذا ما تجاوزنا هذا الرفّ إلى ما يليه نرى نجيب محفوظ يتنقل "بين القصرين" إلى "السكرية" حتى يصل إلى يوسف السباعي وهو ينادي "رد قلبي"، وفي صدر المكان يجلس أمير الشعراء أحمد شوقي يحيط به بعض وزرائه من أمثال حافظ إبراهيم والمازني، ويأتي من بعيد صوت أم كلثوم وهي تصدح بقصيدة "ولد الهدى" وعبدالوهاب يجوب بالجندول "النهر الخالد".

 وإذا ما انتقلنا إلى الجانب الآخر من المكتبة حيث يزدان المكان بالأدب العالمي بكل ثقافاته ورواياته، ومنها على سبيل المثال "البؤساء" و"الطاحونة الحمراء" و"أحدب نوتردام" و"بين مدينتين" ثم "الإخوة كارامازوف" و"دكتور زيفاكو" و"الحرب والسلام".

 نجوم وعمالقة في كل المجالات: الفن والأدب والرواية والرياضة والغناء، وعلماء في كل مناحي الحياة، كانت تضيء سماءنا وتملأ حياتنا، وتنقلنا إلى عوالم راقية بعيداً عن عواصف الكراهية والشحناء، أين نحن الآن؟ وأين تلك النجوم؟ ولماذا لم يستطع أحد أن يشغل مكانها؟

فقد خطف الأضواء والنجومية رجال السياسة وتجار الدين وزعماء الجماعات الإرهابية، وحل الرشاش مكان القلم والأحزمة الناسفة مكان الكتاب، واختفت الألوان من حياتنا، وسادها اللون الأسود وأصوات هدير الطائرات، وأرواح تزهق في كل لحظة من الزمان، فلك الله يا أمتنا العربية، فالكل يهتف من القلب "وا إسلاماه".

وندعو الله من القلب أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

إلى جنان الخلد إن شاء الله

 من القصائد الرائعة للشاعر الفرنسي ألفونس دي مارتين التي تعبر عن المشاعر الإنسانية وفلسفة الحياة قصيدة "البحيرة" التي تبدأ بالأبيات الآتية:

أهكذا أبدا تمضي أمانينا

نطوي الحياة وليل الموت يطوينا

تجري بنا سفن الأعمار ماخرة

بحر الوجود ولا نُلقي مراسينا

فبالأمس القريب أفل نجم من نجوم الدبلوماسية الكويتية، إذ انتقل إلى رحمة الله السفير جاسم بهمن الذي أمضى جلّ عمره مديراً للإدارة القنصلية في وزارة الخارجية، فقد أحب وطنه وأخلص في عمله، وتعلمنا منه الكثير ولم يبخل علينا بالإرشاد والتوجيه، فدعاؤنا إلى الله أن يتغمده بواسع رحمته ورضوانه، وأن يلهم أهله الصبر والسلوان، و"إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ".

back to top