الأزمة الاقتصادية الرأسمالية الخانقة تلقي بظلالها الثقيلة على الوضع السياسي العالمي عامة والعربي خاصة، والمطالب الشعبية وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية، والحرية، والعيش الكريم، وعدم احتكار السلطة والثروة، أي الحكم المدنّي الديمقراطي الصالح والرشيد، ما زالت مطالب مستحقة لن تتخلى عنها الشعوب.

Ad

المرحلة الحالية التي يمر بها العالم عموما ومنطقتنا خصوصا هي، كما سبق أن ذكرنا، مرحلة انتقالية مُعقّدة وصعبة قد تستمر سنوات، فالمخاص عسير والأحداث متسارعة وتبدو متعارضة أحيانا، والأسئلة في أذهان الناس كثيرة ومُركّبة تحتاج الإجابة عنها إلى قراءة دقيقة وتحليل مُعمّق لا مجرد قراءة سريعة وإجابات سطحية وتحليل ساذج يفشل في قراءة ما بين السطور وما وراء الخبر، فيكتفي بما يطفو على السطح، وما تبثه وكالات الأنباء من تصريحات وأخبار موجهة غالبا أو غير دقيقة.

ومن أجل فهم ما يجري حاليا في العالم وفي منطقتنا، فإنه لا بد من الأخذ في عين الاعتبار حدثين مهمين من غير الممكن تجاوزهما: أولهما هو الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية وتبعاتها على الاقتصاد العالمي، وبالتالي، على سياسات الدول، لا سيما الدول الكبرى مثل أميركا وقادة الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وعلى تحركاتها الخارجية، وتنافسها الشرس والدموي أحيانا على مناطق النفوذ في العالم، وهو ما يترتب عليه تحالفات سياسية جديدة أو حروب اقتصادية، ومواجهات عسكرية محدودة أو واسعة النطاق، علاوة على إمكانية نشوب حروب عبثية سواء في ما بين الدول الكبرى أو بالوكالة عن طريق الدول الحليفة والتابعة أو الميليشيات المسلحة التي تنفذ أوامرها وتوجيهاتها.

 أما الحدث الثاني المهم فهو تأثيرات الثورات الشعبية والانتفاضات والاحتجاجات العفوية التي أطلق عليها مُسمىّ "الربيع العربي" على المشهد السياسي العام ونتائجها وتبعاتها، وعلى طبيعة التحركات الإقليمية والدولية في عموم منطقتنا، لا سيما أن الثورات والاحتجاجات الشعبية كانت تُبشر بمرحلة نوعية جديدة لو أنجزت بنجاح كامل لأفضت إلى تغيير جذري من مجمل قواعد اللعبة السياسة في المنطقة، وهو الأمر الذي سيكون له تأثيرات كبيرة ومباشرة على مصالح الدول الرأسمالية الاحتكارية المعولمة.

ضبابية المشهد السياسي الحالي وتعقيداته، وعدم تحقيق الشعارات والمطالب الشعبية المستحقة؛ لأن الثورات الشعبية اُختطفت من تيارات الإسلام السياسي لا سيما جماعة الإخوان المدعومة إقليمياً ودولياً، التي فشلت فشلا ذريعا في تحقيق المطالب الشعبية، فأسقطتها الشعوب في مصر وتونس بعد أن اتضح لها أنها ضمن قوى الثورة المضادة، وهدفها هو الاستئثار بالسلطة السياسية لتحقيق مشروعها الخاص، فضلا عن أنها لا تختلف من الناحية الاقتصادية عن الأنظمة التي أسقطت رؤوسها الثورات، كل ذلك يفترض ألا يقود إلى اليأس أو الإحباط أو الوقوع في أسر ثنائية زائفة تروج لها مافيا الفساد السياسي، وهي إما الأنظمة الاستبدادية أو تيارات الإسلام السياسي بشقيه السنّي والشيعي أي "داعش" وإخوانه وما شابههما من الجانب الآخر.

الأزمة الاقتصادية الرأسمالية الخانقة تلقي بظلالها الثقيلة على الوضع السياسي العالمي عامة والعربي خاصة، والذي لن يعود لما كانت عليه الحال قبل الثورات والانتفاضات والاحتجاجات الشعبية، فالمطالب الشعبية وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية، والحرية، والعيش الكريم، وعدم احتكار السلطة والثروة، أي الحكم المدنّي الديمقراطي الصالح والرشيد ما زالت مطالب مستحقة لن تتخلى عنها الشعوب بعد أن كسرت حاجز الخوف مهما تباطأت حركتها، ومهما بلغت درجة القمع، وتقييد الحريات، وإغلاق المجال العام أمام الناس.