يمثل قرار إنشاء التحالف الإسلامي العسكري نسخة من القرارات المفاجئة التي ظهرت واختفت خلال السنتين الماضيتين دونما نتائج حقيقية وملموسة أو استمرارية ممنهجة تحمل مقومات وأهدافاً واستراتيجيات واضحة أو آليات عمل قابلة للتطبيق، وحاله لا يختلف عن إعلان الجيش العربي المشترك الذي مات قبل أن يولد.

Ad

التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب أُعلِن بقرار مفاجئ وصورة جماعية لعدد من وزراء الخارجية في دول عربية وإسلامية دون وجود أية ترتيبات أو لقاءات تنسيقية مسبقة، أو حتى تحت مظلة منظومة عالمية أو إقليمية كمنظمة القمة الإسلامية، على الرغم من خطورة الإرهاب كأكبر تحديات العصر وضرورة التصدي له بحزم وجهود مشتركة على مختلف الصُّعد.

هذا القرار الجديد نسخة من القرارات المفاجئة التي ظهرت واختفت خلال السنتين الماضيتين دونما نتائج حقيقية وملموسة أو استمرارية ممنهجة تحمل مقومات وأهدافاً واستراتيجيات واضحة أو آليات عمل قابلة للتطبيق، وحال هذا التحالف العسكري لا يختلف عن إعلان الجيش العربي المشترك الذي مات قبل أن يولد قبل عام، وعن التحالف الدولي لحرب عاصفة الحزم في اليمن الذي انتهى بالقوات السعودية والإماراتية وحدهما في الميدان بعدما تنصلت منه بقية الدول العشر الأخرى التي هللت وباركت وأعلنت رسمياً مشاركتها، فاستبدلت بمقاتلين من شركة "بلاك ووتر" تم جلبهم من كولومبيا وتشيلي والسلفادور، أضف إلى القائمة مشروع الاتحاد الخليجي الذي أعلن عنه ثم ألغي خلال 48 ساعة في قمة الكويت!

إطلالة سريعة على هيكلية التحالف العسكري المعلن تكفي لمعرفة مستقبله، فأقطاب هذا التحالف كالسعودية وتركيا ومصر لا يمكن أن تكون متجانسة فكرياً أو سياسياً، ناهيك عن تنافسها على الزعامة الإقليمية، كما أن أكثر من ثلثي أعضاء هذا التحالف دول فقيرة أو شبه معدومة ليست قادرة على إضافة أية قيمة لهذا المشروع بل قد تكون عبئاً ثقيلاً ومكلفاً لما تنتظره من مساعدات مالية ضخمة لا يمكن تلبيتها في ظل تراجع أسعار النفط وحالة التقشف التي تبنتها دول مجلس التعاون، كما أن باكستان سرعان ما تنصلت من هذا التحالف تماماً كما فعلت بعد إضافتها إلى عاصفة الحزم.

بعض الدول التي يضمها التحالف الجديد تدور حولها شبهات دعم المنظمات الإرهابية أصلاً، وهذا ما كشفت عنه دوائر القرار والمؤسسات الاستخباراتية في العواصم العالمية ومنها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، فكيف يمكن التنسيق معها لمحاربة حلفائها من الإرهابيين، والأدهى من ذلك كله أن تعريف الإرهاب والمنظمات الإرهابية محل خلاف جذري بين أهم أقطاب التحالف نفسه، فدول مثل مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية تصنف جماعة الإخوان المسلمين في قوائم الإرهاب في حين أن حكومة إردوغان التركية هي حكومة الإخوان المسلمين!

إن متطلبات أي تحالف عالمي ناجح قد لا يقتضي الإجماع العام بين دول العالم أو عدد الدول المشاركة فيه، لكن اتفاق القوى العظمى يعد المفتاح السحري فيه، ولذلك لم ينجح في العصر الحديث سوى تحالفين فقط، الأول في الحرب العالمية الثانية ضد هتلر، والآخر في حرب تحرير الكويت وبقيادة أميركية - روسية مشتركة، وفي ما عدا ذلك لم تكن التحالفات الكثيرة سوى معادلات لتوازن القوى واستمرار للصراعات الإقليمية والعالمية ودونما نتيجة.

إن الحرب على الجماعات الإرهابية تحمل البعد العسكري بلا شك، ولكن جذور هذه الجماعات تبقى فكرية وثقافية وعقائد دينية متطرفة ومجنونة وهي التي تستوجب المواجهة والشجاعة في طرحها وتنفيذها، وأغلب دول التحالف الجديد هي المسؤولة عن محاربة هذا الإرهاب ليس في ميدان القتال، ولكن في عقول الشباب والأدعياء من مشايخ الدين!