مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الأسبوع المقبل تكون هناك فرصة لإعادة تقييم قرارات المنظمة، التي رفضت في نهاية نوفمبر 2014 خفض إنتاجها من النفط في سبيل تحقيق مجموعة من الأهداف المعلنة، أبرزها التخلص من فائض المعروض النفطي في السوق وإزاحة المنتجين غير التقليديين "النفط الصخري"، وهو ما سيعيد التوازن بحسب "أوبك" إلى سوق النفط العالمي.

Ad

وحسب الأرقام الظاهرة بعد عام من الاجتماع، نجد "أوبك"، التي تسيطر على 43.4 في المئة من حجم إنتاج النفط العالمي، فشلت بدرجة كبيرة في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، فلا يزال العرض في السوق أكثر من الطلب بما يقارب 1.8 مليون برميل يومياً، ما أدى إلى ظاهرة نادرة في السوق قبل أسابيع، تمثلت في امتلاء مواقع تخزين النفط البرية حول العالم بسبب تخمة الإمدادات، ما أنذر بحالة شلل لوجيستي جعل الناقلات تصطف عند الموانئ الكبرى حول العالم.

أما على صعيد إزاحة النفط الصخري فرغم أن سعر النفط خسر خلال عام نحو 50 في المئة فإن إنتاج النفط الصخري عالمياً لم يتراجع أكثر من 20 في المئة، فحتى تراجع عدد منصات الحفر بنحو 55 في المئة لم ينعكس على حجم الإنتاج الصخري بدرجة كبيرة، وإن أثر بدرجة أكبر على تمويل عمليات الاستكشاف، وهنا يتبين فشل "أوبك" مجددا في تحقيق أهدافها.

مسؤولية أكبر

المطلوب من "أوبك" في اجتماع الأسبوع المقبل أن تتعامل مع سوق النفط بمسؤولية أكبر، فالأرقام التي ظهرت خلال عام تشير إلى أن سياساتها الحالية لا تحقق أهدافها في السوق، وعليها أن تفتح حوارا مع المنتجين خارج المنظمة، للتعامل مع فائض المعروض والاستجابة لضعف الطلب عالميا، والا يتم استخدام المنظمة لتحقيق أهداف سياسية -هي الأخرى لم تتحقق- لا شأن للسوق بها.

فـ"أوبك"، التي تقول إنها لن تخفض الإنتاج بمفردها، بل بتعاون جميع المنتجين من خارجها إذا أرادوا دعم الأسعار من خلال خفض الإنتاج، عليها أن تبادر، كونها أكبر صانع سوق منظم، بوضع حد لتدهور الأسعار رغم أن خفض الإنتاج وحده لن يرفع الأسعار إلى مستويات صيف 2014، التي بلغ فيها سعر برميل النفط 110 دولارات، بسبب ظروف الاقتصاد العالمي الصعبة، لكن خفض الإنتاج بالتعاون مع المنتجين سيدعم بالتأكيد مستويات الأسعار على المديين القصير والمتوسط.

العراق وإيران

أوضاع السوق تشير إلى تحديات جديدة تواجه الأسعار، فإلى جانب نمو المعروض عالميا وضعف النمو في آسيا وسياسات التقشف في أوروبا نجد العراق رفع صادراته في نوفمبر إلى مستوى قياسي قدره 3.365 ملايين برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في عقد من الزمن، وإيران أعلنت أنها لا تحتاج إلى تصريح من "أوبك" لزيادة الإنتاج، وهذه كلها عوامل تضغط على الأسعار، وبالتالي فإن سياسات "أوبك" المدعومة خليجيا برفض خفض الإنتاج ربما تهوي بالأسعار إلى مستويات 30 إلى 20 دولارا للبرميل، أي أسعار عامي 2001 و2002، وهو أمر محرج جدا لميزانيات دول تضاعفت نفقاتها 6 إلى 7 مرات خلال 15 عاما.

شركات عالمية

بل إن أوضاع السوق تتضح من خلال سلوك شركات النفط العالمية، مثل بريتش بتروليوم وشل وتوتال، التي خفضت مشروعات الربحية لديها، بناء على سعر البرميل، إلى أسعار توازي أسعار السوق السائدة، بل أعادت شل، التي وضعت مطلع العام الحالي توقعات بأسعار تتراوح بين 70 و110 دولارات للبرميل، خطة الربحية لديها عند 50 دولاراً فقط للبرميل، فضلاً عن خطط صارمة لخفض النفقات الخاصة بالتنقيب والمشروعات، إلى جانب تسريح آلاف الموظفين، ومع هذه السياسات الاحترازية لم يكن هناك مجال لتلافي الانخفاض الحاد في الأرباح أو الدخول في دائرة الخسائر، بل وحسب تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأميركية فإن 46 شركة أميركية وعالمية عاملة في مجال النفط تراجعت قيم أصولها بنحو 38 مليار دولار خلال الربع الثالث من 2015 فقط، رغم ارتفاع الإنتاج مقارنة بنفس الفترة من عام 2014.

آليات الالتزام

وجود ملاحظات من دول الخليج على عمل "أوبك"، أهمها عدم التزام العديد من الدول الأخرى في المنظمة بقرارات سابقة لخفض الإنتاج، ما يؤدي إلى خفض حصة الملتزمين في السوق، يمكن التعامل معه قبل الاجتماع المقبل، بوضع ضوابط على الحصص لكل دولة، والتعاون مع بقية المنتجين خارج المنظمة للوصول إلى صيغة ما تضمن استقرار السوق، ومطلوب من دول الخليج أن تدعم اتخاذ موقف موحد يدعم توجهاتها في إلزام المنظمة بمتابعة الإنتاج، وعدم تجاوز الحصص، كي لا يعاقب الملتزم على التزامه بقرارات الغرض منها حماية السوق النفطي، وبالتالي عندما يكون الموقف من مجموعة دول لها ثقلها في الإنتاج النفطي فلابد أنه سيكون أقوى وأكثر إلزاما من موقف دولة بعينها.

فدول الخليج تستحوذ على أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـ485 مليار برميل، أي ما يعادل 35.7 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام، وما نسبته 70 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي لمنظمة أوبك، وهذه الكميات تحملها مسؤولية اتخاذ المبادرة تجاه السوق، للتعاطي مع الأوضاع الجديدة التي يفرضها الطلب العالمي.

احتياطي أجيال

على دول "أوبك"، وخصوصا دول الخليج، التي تعتمد بنسب عالية على الإيرادات النفطية في إجمالي إيراداتها، أن تفهم أن المخزونات النفطية هي احتياطي أجيال، يجب عدم التهاون في بيعه بأسعار زهيدة، وأن العمل على توازن السوق سيحقق فائدة لها على المدى البعيد قبل القريب.