«أيديولوجية لجنة التحكيم»!

نشر في 21-12-2015
آخر تحديث 21-12-2015 | 00:01
 مجدي الطيب مع ختام ليالي «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، وإعلان جوائز الدورة الثانية عشرة (9 – 16 ديسمبر 2015)، يقتضي الأمر تناول بعض الأفلام التي حازت ثقة لجان تحكيم مسابقات المهرجان، خصوصاً أن النتائج جاءت متسقة مع كثير من التكهنات، في واقعة يمكن القول إنها نادرة الحدوث في المهرجانات السينمائية، والفنية بوجه عام، إذ جرت العادة أن تنقسم الآراء، بين مؤيد ومعارض، فور انتهاء حفل الختام، وإعلان نتائج لجان التحكيم في أي مهرجان، وفي أحايين كثيرة يصل الاستنكار إلى حد اتهام لجنة التحكيم بتغليب التوازنات السياسية، وإعلاء قواعد المجاملة... والترضية!

أسجل هنا أنني كنت واحداً من أولئك الذين تحفظوا على بعض نتائج الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي (10 - 17 ديسمبر 2014)؛ خصوصاً لجنة «المهر القصير»، التي رأيت أنها جاملت أفلاماً متواضعة على حساب أخرى جميلة وأخاذة، لكنني لم أتورط، مُطلقاً، في اتهام اللجنة، بل التمست العذر لأعضائها، لدرايتي الكافية أن التقييم يختلف حسب «أيديولوجية» وتوجهات كل لجنة، وتبعاً لفهم أعضائها لدور ورسالة السينما، وهو ما رأيته متحققاً بدرجة كبيرة في نتائج، وجوائز، لجان تحكيم الدورة الثانية عشرة، التي انحازت لقضايا الواقع الحياتي، وبدت مؤرقة بالهم والمصير العربي اللذين لا ينفصلان، بالطبع، عما يجتاح العالم من حوادث وملمات.

كنت قد نوهت إلى فيلم «حكاية الليالي السود» (الجزائر وفرنسا/ 2015 )، وثمنت رؤية مخرجه سالم الإبراهيمي، الذي اختار أن يدق ناقوس الخطر في وجه «جيوش الظلام»، التي تعيث في العالم فساداً، ويُحذر من تكرار «العشرية السوداء»، التي عصفت باستقرار الجزائر، وفطنت لجنة تحكيم مسابقة «المهر الطويل» إلى خطورة وأهمية رسالة الفيلم، ومنحته جائزتها (جائزة لجنة التحكيم تعادل في الكثير من المهرجانات جائزة أفضل فيلم)، كما منحت الفيلم التونسي «على حلة عيني» (فرنسا، بلجيكا، تونس والإمارات العربية المتحدة/ 2015) للتناول المبتكر لمخرجته ليلى بو زيد لأحداث الثورة التونسية، ونجاحها في المزج بين الشخصي والعام، وإعلاء شأن الحرية على حساب القهر والكبت، ولم تكن اللجنة نفسها (تحكيم مسابقة «المهر الطويل») بعيدة، كذلك، عن الهم الإنساني، بدليل حماستها المفرطة المتمثلة في منح جائزتي «أفضل مخرج» و»أفضل فيلم غير روائي» للمخرج محمود سليمان عن الفيلم التسجيلي الطويل «أبداً لم نكن أطفالاً» (الإمارات العربية المتحدة، مصر، قطر ولبنان/ 2015)، وأهمية هذا الفيلم تكمن في أن مخرجه يعود من خلاله لرصد أحوال بطلة فيلمه السابق «يعيشون بيننا» (إنتاج 2003)التي تعمل في شحذ الأسلحة البيضاء، وما وصلت إليه، هي وأولادها الأربعة، ويكاد يُسقط من خلالها على أحوال مصر!

لم يختلف الحال كثيراً في لجنة تحكيم مسابقة «المهر الخليجي القصير»، التي منحت جائزة «أفضل فيلم» للمخرج رزكار حسين عن فيلمه الرائع «الرئيس» (الإمارات العربية المتحدة، العراق وقطر/ 2015)، لتناوله، بطرافة وذكاء، آلية صناعة «الديكتاتور»، عبر صبي غبي كان مثار سخرية رفاقه، لكن «لعبة» تجعل منه رئيساً عليهم، وتُخلصه من عُقده القديمة، وتحوله إلى مستبد وطاغية. أما لجنة تحكيم مسابقة «المهر القصير» فانتزعت التصفيق بسبب جرأتها في منح الفيلم الروائي القصير «السلام عليك يا مريم» (فرنسا، ألمانيا وفلسطين/ 2015) إخراج باسل خليل جائزة «أفضل فيلم قصير»، نظراً إلى كون الفيلم يتعرض لقضية شائكة، ومزعجة، هي قضية الصراع العربي – الإسرائيلي، لكن من زاوية جديدة أبطالها راهبات في دير بالضفة الغربية؛ حيث الخطر الذي تحذر سلطات الاحتلال رعاياها من الاقتراب منه، وعائلة يهودية متزمتة ساقتها الظروف، وعطل السيارة التي تقل أفرادها الثلاثة، إلى الالتجاء للدير، وفرض أنفسهم على راهباته، اللاتي تبادرن بتقديم يد العون للتخلص من هذا العبء الثقيل، والضيف غير المرغوب فيه، الذي تحضهن العذراء، وتعاليم الدين، على التعامل معه بود وسماحة!

صحيح أن «جائزة الجمهور»، التي ذهبت إلى الفيلم الطويل «يا طير الطاير» (فلسطين، هولندا، قطر، المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة/ 2015) إخراج هاني أبو أسعد، كانت مثار دهشة، وربما صدمة، وأرجعها الكثيرون إلى جماهيرية بطله الفلسطيني محمد عساف نجم برنامج اكتشاف المواهب «أراب آيدول» في العام 2013، لكن استقامت المعادلة مع جوائز مسابقة «المهر الإماراتي»، التي وضعت أيدي النقاد والإعلاميين والسينمائيين والمهتمين، على مواهب واعدة، ورؤى في طور النضج والاكتمال، استحقت من لجنة التحكيم التقدير في صورة جوائز ذهبت إلى «ساير الجنة» للمخرج سعيد سالمين (أفضل فيلم طويل)، «أمنية» للمخرجة آمنة النويس (أفضل فيلم قصير) و»في سيرة الماء.. والنخل.. والأهل» للمخرج ناصر الظاهري (أفضل مخرج)، لكن ما ينبغي التنويه إليه أنها جوائز تشجيعية تستوجب من الفائزين بها إدراك أنهم في أول خطوة من «مشوار الألف ميل»، ولا ينبغي أن تكون الجوائز سبباً في إصابتهم بفيروس «الغرور»!

back to top