شهد "وادي حنيفة" في مدينة الرياض السعودية نقلة نوعية ضخمة بعد إخضاعه لعمليات إعادة تأهيل وتطوير حولته من مردم للنفايات والمخلفات العمرانية إلى أكبر منتزه بيئي مفتوح في المملكة.

Ad

وأصبح هذا الوادي الذي اشتهر باسم إحدى القبائل العربية التي استوطنت جواره منذ عصور ما قبل الإسلام أحد أبرز معالم مدينة الرياض ومزاراتها الطبيعية إذ يمتد على مسافة تزيد على 80 كيلومتراً تتيح للزوار والمتنزهين التمتع بالهواء العليل وسط فضاء واسع ونظيف.

وظل الوادي محافظاً على توازنه البيئي بين قدراته الطبيعية والأنشطة البشرية حتى مطلع خمسينيات القرن الماضي حيث بدأ في التدهور نتيجة للتطور العمراني الذي شهدته مدينة الرياض دون مراعاة لمتطلبات الوادي البيئية من خلال جرف التربة وانتشار الأنشطة الصناعية وأصبحت أجزاء كبيرة من الوادي مكباً للنفايات ومخلفات البناء.

وقد عانى "وادى حنيفة" على مدار سنين طويلة إلى أن تبنته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض حيث جعلته ضمن أولوياتها لما لهذه المنطقة من أهمية كبيرة واستعداد لجذب الاستثمارات المتنوعة نظراً لمساحته المترامية من شمال الرياض إلى جنوبها إلى جانب امكاناته الطبيعية.

وأصبح الوادي بمثابة الرئة للرياض ومتنفساً طبيعياً لقاطنيها وهو ما دفع الهيئة العليا وكل الجهات ذات العلاقة إلى الاهتمام به بشكل كبير بهدف تحويله إلى بيئة حيوية جاذبة لمدينة الرياض.

ففي عام 1986 وضعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض استراتيجية شاملة لتنمية الوادي للمحافظة علي بيئته الطبيعية واعتبرته منطقة محمية بيئياً كما تضمنت تلك الاستراتيجية فرصاً استثمارية للقطاع الخاص تمثلت في انشاء محطات مراقبة ثابتة وتنفيذ مشروع القناة المائية في الوادي وتسوير الأراضي العامة ومناطق الحماية البيئية.

كما شملت الفرص الاستثمارية لتطوير الوادي انشاء نماذج "للجيوب الترويجية" وانشاء مجموعة من نقاط المشاهدة وممرات المشاة وتنسيق المواقع على الوادي وكذلك انشاء طريق رئيسي في الوادي وطرق مرصوفة فرعية وطرق تتصل بالجيوب الترويجية لإعادة الغطاء النباتي.

ونتيجة لهذه المشاريع التطويرية أضحى "وادي حنيفة" في الوقت الحالي أهم معلم طبيعي في مدينة الرياض حيث ينحدر من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ويصب فيه أكثر من 40 رافداً ويحتوي على معظم ما تبقي من مظاهر البيئة التقليدية في المنطقة والمتمثلة في القرى والبساتين والمزارع المنتشرة فيه.

وأجمع عدد من رواد "وادي حنيفة" في لقاءات متفرقة مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) على أهمية الوادي كمتنفس لقاطني العاصمة السعودية حتى أصبح يوصف أحياناً بـ "كورنيش الرياض" نظراً لما يتمتع به من مناظر طبيعية خلابة مثل البحيرات والمياة الجارية والحياة الفطرية التي اهتم القائمون على الوادي بإبرازها إضافة إلى توفر مرافق وخدمات عامة ذات مستوى رفيع.

وفي هذا السياق قال علي الجعيد أحد زوار الوادي أن هيئة تطوير مدينة الرياض بذلت جهوداً جبارة في إعادة تأهيل "وادي حنيفة" وجعل بيئته خالية من الملوثات والمعوقات إضافة إلى إعادة تنسيق المرافق والخدمات القائمة في الوادي بما يتناسب مع بيئته.

وأشار إلى أن هذه الجهود نجحت في توظيف الوادي وتحويله إلى منطقة سياحية مفتوحة متاحة لسكان الرياض من خلال تهيئة المتنزهات وممرات المشاة والطرق الملائمة والخدمات المساندة.

ولفت إلى تنوع المشاهد الجمالية وتعدد تكويناتها الطبيعية باختلاف عناصرها البيئية لتكون أداة جذب سياحي وترفيهي على امتداد مساحة الوادي، مؤكداً على أن الرياض كانت بحاجة لمثل هذه المناطق المفتوحة التي تتيح للسكان التمتع بالأجواء الطبيعية بعيداً عن الأماكن المغلقة.

من جانبه، وصف عادل الحمود الوادي بأنه "مكان هادئ ورائق" يتسع للجميع للاستمتاع بالمناظر الطبيعية بعيداً عن ضوضاء المدينة، مؤكداً على حاجة مدينة الرياض إلى مثل هذه المرافق للترفية عن قاطنيها، مبيناً أن السعودية تملك كل المقومات لتكون إحدى أبرز الوجهات السياحية على مستوى المنطقة في حال تم استغلال تلك المقومات على أكمل وجه مشيداً بجهود هيئة السياحة والآثار السعودية في هذا الصدد.

وأعرب الحمود عن تطلعه إلى وجود مشاريع ترفيهية وسياحية أخرى تلبي احتياجات السكان توازي ما تشهده المملكة من مشاريع ضخمة في كافة مناحي الحياة إذ أن الجانب الترفيهي والسياحي عنصر أساسي في الحياة العصرية.

ومن جهته، أكد المواطن السعودي زيد العماري أن "وادي حنيفة" بعد عملية تطويره أصبح مكاناً جاذباً للعائلات والأفراد من أجل الاستمتاع بأجوائه ومناظره الرائعة مع المحافظة على معالمه التاريخية.

وأعرب عن أمله في استمرار عمليات تنظيف الوادي وإزالة الملوثات وتأهيل مجاري السيول وإيجاد لوحات إرشادية لإرشاد الزوار والمستخدمين، مبيناً أن الوادي لا يزال يشكل مصدراً للماء والزراعة للكثيرين من سكان القرى والمدن المحيطة به.

ولاحظ العماري أن "وادي حنيفة" بعد تطويره ساهم في توفير موقع سياحي جاذب يمكن الاستفادة منه مستقبلاً بإنشاء مركز لإقامة فعاليات ثقافية وترفيهية للزوار والمرتادين.

يشار إلى أن "وادي حنيفة" يشتمل على ستة متنزهات مفتوحة هي "بحيرة جزعة" و"بحيرة المصانع" و"السد الحجري" و"محلات عتيقة" و"سلطانة" و"سد ووادي حنيفة" و"سد العلب" وجميعها تحتوي على ممرات للمشاة بأطوال مختلفة وجلسات ومواقف للسيارات والعديد من المقاهي والمطاعم والمرافق الخدمية والمصليات.

ويحتوي الوادي على العديد من الأشجار والشجيرات والأعشاب الصحراوية الطبيعية التي تتناسب مع طبيعة الوادي إضافة إلى أعداد كبيرة من أشجار النخيل في المنتزهات وممرات المشاة.

ويعد الوادي مصرفاً طبيعياً لمياه السيول والأمطار لحوالي 4000 كيلومتر من المناطق المفتوحة المحيطة به حيث يصب فيه روافد طبيعية تزيد على 40 وادياً من أشهرها "الأبيطح" و"الأوحيرش" و"العمارية" و"البطحاء".

كما شكل موقع الوادي وسط الجزيرة العربية ممراً مهماً لطرق التجارة التي ربطت بلاد الرافدين بجنوب الجزيرة والحجاز وربطت أقاليم شمال جزيرة العرب بجنوبها لذلك شكل الوادي ملتقى لمختلف أنماط الحضارة البشرية.

وكان يطلق على الوادي قديماً اسم "العرض" بكسر العين وتم تسميته بـ "وادي حنيفة" نسبة لقبيلة بنو حنيفة التي كانت تسكن في نجد وسط المملكة أي منطقة الرياض حالياً.

كما قامت على ضفاف "وادي حنيفة" منذ القدم مراكز سكانية كانت تعتمد على الموارد الطبيعية المتوفرة فيه ولا يزال الوادي يحتوي على معظم ما تبقى من مظاهر البيئة التقليدية في المنطقة المتمثلة في القرى والبساتين والمزارع.