دول مجلس التعاون وإيران... التاريخ والجغرافيا
على الرغم من الإزعاج السياسي الذي يسببه النظام الثيوقراطي (الديني) في إيران لدول مجلس التعاون نظرا لطبيعته وخططه التوسعية التي يستغل فيها العامل الديني-الطائفي كي يتمكن من التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وذلك من أجل مد نفوذه السياسي وتحقيق مصالحه الاقتصادية، فإنه لا مفر من عملية التوافق السياسي في الإقليم للوصول إلى تسويات عادلة للخلافات، وذلك من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية المتحضرة التي من شأنها ضمان التعايش السلمي، وحسن الجوار، وتحقيق المصالح المشتركة، فالقطيعة الدبلوماسية والاقتصادية التامة والدائمة أو الحرب ليستا هما الحل، فمن المستحيل إلغاء عاملي التاريخ والجغرافيا اللذين يربطان الدول المُطلة على جانبي الخليج، ناهيكم عن طبيعة المصالح المشتركة.ومن أسف أن إقليمنا لم يعرف الاستقرار السياسي الحقيقي منذ أربعة عقود تقريباً، وأي حرب جديدة لن ينتج عنها سوى المزيد من الكوارث، والدمار البشري والمادي، وعدم الاستقرار الاجتماعي-السياسي، ومن حق شعوب منطقتنا، كما الشعوب الأخرى، أن تعيش بسلام واطمئنان لا أن تكون تحت ضغط نفسي رهيب، ورعب وخوف نتيجة دوامة حروب متتالية منذ عام 1980، حربٌ تليها أخرى، إذ بدأت بالحرب العراقية-الإيرانية التي امتدت ثماني سنوات وراح ضحيتها قرابة المليون إنسان، وكلفت مئات مليارات الدولارات، ثم حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وبعدها حرب إسقاط الطاغية صدام واحتلال العراق من أميركا وبريطانيا، والآن حرب اليمن التي لا تعرف نهايتها بعد، ناهيك عما يحدث في العراق وسورية من حروب أهلية، ودمار بشري ومادي رهيب.
وحتى لو استبعدنا نشوب حرب جديدة في المنطقة، وهو ما يتمناه كل شخص حريص على أمن المنطقة واستقرارها ورفاهية شعوبها، فإن ازدياد حدة الاحتقان السياسي بين دول التعاون من جهة وإيران من الجهة الأخرى سيحوّل الإقليم إلى بؤرة توتر دائمة ومُقلقة، وهو الأمر الذي سيستهلك قوى الطرفين في صراع سياسي مستمر لا فائدة حقيقية منه، بل على العكس تماماً فإنه سيشغلها، وبالتالي هي ستشغل الناس معها في صراعات خارجية، بدلا من التركيز على مواجهة المشاكل الداخلية الكثيرة التي تعرقل عملية التنمية المستدامة ومحاسبة المسؤولين عنها، ثم الاستعداد الجيد للتغلب على تحديات المستقبل القريب التي تتطلب تعاون دول المنطقة كافة، فضلا عن أن التوتر السياسي في الإقليم سيستنزف ثروات الشعوب وخيراتها في سباق تسلّح عبثي لن يستفيد منه سوى أكبر مصانع الأسلحة الغربية والطغم المالية هناك، في الوقت الذي تعاني فيه دول مجلس التعاون، كما إيران، ظروفاً اقتصادية ومعيشية صعبة، وذلك نتيجة عوامل كثيرة منها انخفاض أسعار النفط ووصولها إلى مستويات قياسية، وتسجيل ميزاياتها العامة عجوزات مالية فعلية، بل من المرجح، خصوصا في ظل التوجهات الاقتصادية الحكومية الحالية ذات الطابع النيوليبرالي المتوحش، أن تزداد الظروف الاقتصادية والمعيشية لشعوب المنطقة صعوبة وقسوة، ويكون لها تبعات داخلية اجتماعية-سياسية سلبية.لذلك، وكما ذكرنا من قبل، فإنه لا بد من العمل الجاد والمسؤول من الجميع وبالذات القوى الشعبية والسياسية الوطنية والديمقراطية والتقدمية لدفع حكومات دول المنطقة للتوصل إلى تسويات سياسية عادلة للصراعات الإقليمية مهما كانت صعبة ومُعقّدة؛ كي تتفرغ الدول لإيجاد حلول عملية للمشاكل التنموية الكثيرة والمُعقدة، ومواجهة تحديات المستقبل، فكل شيء من الممكن التحكم فيه وتغييره إلا التاريخ والجغرافيا، وإيران، رغم طبيعة نظام الحكم هناك التي لا دخل لنا فيها، تبقى دولة جارة من الممكن التفاهم معها سياسياً مثلما فعلت مؤخراً أميركا ودول أوروبية بعد قطيعة دبلوماسية واقتصادية تامة، وعداء معلن من الطرفين داما أكثر من 35 عاماً، إذ من مصلحة شعوب المنطقة قاطبة أن يعم السلام وتقام بين الدول علاقات احترام متبادل، وحسن جوار، ومصالح مشتركة.