في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان "حتى لا تغيب الحقائق في جريمة حولي"، قلت إن هذه الجريمة لا تمثل وجه الكويت الحضاري، لم أقلها رياءً أو نفاقاً أو تزلفاً لسلطة، في بلد أعمل فيه، فلم أكن أعمل في لبنان الشقيق عندما كتبت مقالاً على هذه الصفحة في عدد "الجريدة" الصادر 23 مايو 2010 تحت عنوان "جريمة كترمايا لا تمثل وجه لبنان الحضاري".

Ad

وهي الجريمة البشعة التي نقلت مشاهدها القناة الفضائية اللبنانية (Lbc)، والتي وقعت يوم الخميس 29 أبريل 2010 في قرية كترمايا اللبنانية، والتي عُذّب فيها مواطن مصري يدعى محمد سليم، وعُلق على أحد الأعمدة وجُز من رقبته وسُحل أمام أهالي القرية، للاشتباه في ارتكابه جريمة بشعة وقعت في اليوم السابق مباشرة، ذُبح فيها جد وجدة مسنان وحفيداهما، وتجرد فيها الجناة من كل معاني الإنسانية وقيمها، ولم يكن للعقل أو العاطفة سلطان على غرائزهم البوهيمية التي تجسدت فيها كل رغباتهم الشريرة وحقدهم الدفين على القتيل، وكأنهم لم يعلموا أن الحياة هبة من الله عز وجل، وأن حق الحياة هو وديعة لدى الإنسان، لا يملك أحد القضاء عليها، بل تتنادى شعوب العالم إلى المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام التي لا توقع أصلاً إلا بعد سلسلة من المحاكمات والإجراءات الجزائية تتفاوت ضيقاً واتساعاً بحسب دساتير وقوانين الدول المختلفة.

ومع ذلك فإن هاتين الجريمتين من الحوادث الفردية التي تحدث في كل بقعة من العالم حتى في الدول المتقدمة، ولكنها لا تغير من الوجه الحضاري لهذه الدول.

وفي تناولي للجريمتين، تناولتهما بحكم المهنة وطبيعة عملي القضائي السابق، حيث صاحبتهما أخطاء طالبت معها الأجهزة الأمنية في لبنان بالعمل على تلافيها، مثلما حذرت في مقال الأحد الماضي من أن التهديد بالإبعاد سوف يخل بحسن سير العدالة عندما يحجم شهود الواقعة عن الإدلاء بشهاداتهم، أو يضطر بعضهم اتقاءً لخطر الإبعاد والترحيل إلى الإدلاء بشهادة تتطابق مع الرواية التي ساقتها إدارة العلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية في بيانها المتسرع وقبل ورود تحريات المباحث أو بدء التحقيق في هذه الجريمة، فخانها التوفيق في تصوير الواقعة، وهو ما أناشد السلطات الأمنية في الكويت بالعمل على تلافيه مستقبلاً.

وأعود في هذا المقال لأؤكد على الوجه الحضاري للكويت، والذي جسدته رسائل حب من كثير من قامات كبيرة كويتية، بل من عامة الكويتيين إلى مصر والمصريين، وإلى شهيد الواقعة أحمد عاطف فرغلي، الذي دهسته السيارة، وتناقلتها وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع. وأنقل بعضاً مما جاء في بعض هذه الرسائل في ما يلي:

اعتذار للشعب المصري

كتبت د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب اعتذاراً إلى الشعب المصري، في مقال لها على هذه الصفحة يوم الاثنين 9 الجاري، تحت عنوان "أشياء" تقول فيه: "كتبت على تويتر بعد الحادثة أعزي الشعب المصري وأعتذر له عن مصابه على أرضنا كنوع من التواصل العاطفي وتهدئة للقلوب المحروقة واعترافاً ضمنياً بوجود خللٍ ما، لابد لنا من التوجه كمجتمع متكامل لإصلاحه، فأتت ردود فعل لاستنكار الاعتذار.

تأتي ردة الفعل الكويتية إلكترونياً أو شخصياً أحياناً لتظهر انقطاعاً عاطفياً بين الكويتيين والعالم، ودرجة من التعالي تعوقنا عن استيعاب بشرية الآخرين، درجة من الانعزال تغربنا عن معاناتهم، درجة من الراحة تعمينا عن آلامهم ومصائبهم، درجة من الأمان تصمنا عن مخاوفهم، درجة من العلو تحرمنا القدرة على التسامح مع مواقع ضعفهم، أصبحت أحكامنا لها طابع ضغائني".

من القلب شكراً لكل وافد

وفي مقال تحت عنوان "أنا كويتي وأنت وافد" نشره الكاتب الكويتي ذعار الرشيدي على موقع "الأنباء" بتاريخ 30/8/2008، وأعاد نشره على نفس الموقع، في سياق ألمه وحزنه على الضحية القتيل في جريمة حولي، يقول فيه:

"50 عاماً وأغلبهم سمع هذه الجملة (أنا كويتي... أنت وافد... هذي ديرتي»، نفس عنصري عالي النبرة، ونسينا أن من يلوح لنا بالعلم الأحمر في الطريق، أثناء الإصلاحات به كحماية وتنبيه لنا، هو وافد يقف في عز الظهيرة، بينما نحن نستمتع بهواء مكيف سياراتنا، ونسينا أن من علمنا ودرسنا وافدون، ومن بدأ حركتنا الفنية من الوافدين، ومن أسس صحافتنا الحديثة وافدون، ومن عالجنا وافدون، ومن أعلى البنيان هم من الوافدين... 50 عاماً واستكثرنا خلالها حتى أن نقول لهم شكراً.

من القلب شكراً لكل وافد جاء أو عاش في هذا البلد، حتى ولو لم يفعل سوى أن دق مسماراً في لوحة إرشادية على جانب طريق مظلم".

الإبعاد الإداري مفسدة عظيمة

وتحت هذا العنوان، وعلى الموقع ذاته، كتب ذعار الرشيدي يقول: "ميثاق العهد الدولي الذي وقعنا عليه وصادق عليه مجلس الأمة بقانون يقرر أنه لا إبعاد لأي مقيم بصورة قانونية عن أي بلد يعيش فيه ما لم يعرض على القضاء. الإبعاد الإداري لا أقول إنه يجب أن يقنن بل يجب أن يلغى نهائياً، وبصراحة سمعتنا الدولية المتعلقة بالحريات والتضييق في السنتين الأخيرتين مو ناقصة.

باب الإبعاد الإداري سيفتح باب مفسدة عظيمة تمس الجميع، مواطنين ومقيمين، وليس المقيمين وحدهم، وهو ما سأفصله في مقالات قادمة عبر إيراد وقائع وحوادث حقيقية تم استخدام سلاح الإبعاد الإداري فيها ضد أبرياء".

إظهار الحق خير من التدثر بالباطل

ويقول الأستاذ عبدالحميد منصور المزيدي في مقال له تحت عنوان "إنشاء ديوان القيم الإنسانية" نشره على صفحات إحدى الجرائد اليومية إنه من الواجب علينا إظهار الحق، ولو كرهنا، خير من التدثر بالباطل ولو أحببناه. ويقول المثل: (اعقل لسانك إلا في أربعة، حق تنصره، وباطل تدحضه، ونعمة تشكرها، وحكمة تظهرها".

قالها في سياق ما كتبه حول الوافدين، حيث يقول:

"يؤلمني جداً أن أفصح عن حقيقة ما هو معلوم لدى كل مواطن من المساوئ والمخازي التي يتحاشى أو يتهرب أن يعترف بها المواطن، حفاظاً على الصورة الجميلة للكويت والكويتيين التي يتباهى بها المواطنون الكويتيون بأنهم أهل عطاء وتبرعات، ولكنهم، في الوقت ذاته، يتجاهلون أن كثيراً من هذه التبرعات والعطاءات ربما (ملغومة) بانتماءات سياسية وطائفية وقبلية".

جواز دهس الوافد... بالسيارة

ويقول المربي الفاضل والكاتب الكبير خليل علي حيدر، في مقاله المنشور على هذه الصفحة تحت هذا العنوان الأحد الماضي، مستنكراً الجريمة البشعة في حولي:

الحادثة، إلى جانب كونها مأساة مفجعة، تسببت في إحراج دبلوماسي بين الكويت ومصر وأزمة إعلامية متوقعة، وقد حاول المسؤولون في البلدين تخفيف بعض آثارها وتفاعلاتها، ولكن كيف يفهم الناس في مصر، وبخاصة أصدقاء الكويت، هذا السلوك العدواني القاتل، الذي أودى بحياة شاب في مقتبل العمر... لسبب تافه". هذا هو الوجه الحضاري للكويت... وللحديث بقية إن كان في العمر بقية