لفت د. فيصل الحفيان إلى اكتشاف أحد الباحثين الشباب في برمنغهام لورقتين من مصحف مبكر، وأجريت عليهما اختبارات، وتوصلوا إلى أنه ربما تكونان من أقدم أوراق المصحف الشريف، بما يثير تساؤلات حول بداية التاريخ الفعلي لتدوين القرآن الكريم.

Ad

قال د. حسن عبيد أستاذ ترميم المخطوطات والوثائق عن تناول الإعلام الغربي  للاكتشاف وردود الفعل، ووصول الخبر إلى الميديا والصحف، والتعريف بالمخطوط، وآراء بعض الخبراء على مستوى العالم، في ما يخص التاريخ الفني للوثيقة إن مجموعة {مينغانا} التي تحوي الورقتين، تضم نحو 3 آلاف مخطوط شرقي، منها حوالي ألفي مخطوط عربي إسلامي، و270 مخطوطاً عربياً مسيحياً، وحوالي 660 مخطوطاً باللغة السيريانية، وهذا يضعها في المرتبة الثالثة بعد المكتبة البريطانية، ومكتبة الفاتيكان.  

أوضح عبيد أن اكتشاف المخطوط كان قبل نحو 80 سنة، ولم يتحدث عنه أحد، وفي شهر يوليو من العام الجاري، اكتشفت الورقتان وهما مضمومتان إلى مصاحف أحدث، من خلال رسالة دكتوراه بعنوان {المخطوطات القرآنية المبكرة» وموضوعها تحويل السطور إلى شكل رقمي مقروء،  لم يكن الأساس هو التاريخ الكربوني للمخطوط، ولكنهم عرضوا عينة من المخطوطة لوحدة {الكربون المشع 14} في جامعة إوكسفورد، ورجحوا أن المخطوط يعود إلى سنة 568 ميلادية، أي قبل ميلاد الرسول بسنتين حتى 645 سنة، أي بعد وفاة الرسول، وتحديداً في السنة الثانية من خلافة عثمان بن عفان.

تضمنت الورقة الأولى الآية 17 ـ 23  من سورة الكهف، وفي خلفيتها الآية من 23 ـ 31 سورة الكهف، وفي وجه الورقة الثانية الآية من 91 ـ 98  من سورة مريم، وفي خلفيتها الآية من 1 ـ 13 من سورة طه.

انتقل الحدث من الإعلام إلى الصحف المقروءة، وتناوله باحثون بريطانيون، وظهر في البداية على استحياء، كمخطوط قديم، ثم تطور إلى مبالغة إعلامية من صحيفة الإندبنت، بأن هذا الاكتشاف سيعيد كتابة قصة الإسلام بالكامل.

 كذلك أثار قول الباحث ديفيد توماس أن النص شبيه إلى حد كبير بالقرآن الموجود في الوقت الحاضر، لغطا على تويتر والفيسبوك، وقال بعض العلماء والمؤرخين إن القرآن ربما كان موجوداً أيام الرسول وربما قبل ميلاده، ومن خلال مراجعة الصفحتين لم يوجد أي اختلاف في أي حرف من الحروف، والآيات كما هي بالرسم العثماني.

صناعة الرق

د. جمعة عبد المقصود أستاذ الترميم ووكيل كلية الآثار جامعة القاهرة، تحدث من الناحية العلمية أن الرق بدأ منذ عصر الدولة الوسطى في مصر القديمة، وقصر على عمل الآلات الموسيقية، واستخدم كمادة للكتابة  في القرن الثاني الميلادي وشاع انتشاره في القرن الخامس الميلادي وحتى القرن الخامس عشر، وتلاها ظهور صناعة الورق.   

أكد عبد المقصود أنه لا يعترض على التاريخ المرجح  لورقتي {مصحف برمنغهام{ ولكن الثابت أن أي خلل في صناعة الرق يؤثر على دقة التأريخ، وأن الورقتين لم تخضعا لاختبار الأحبار، وبالتالي لا يوجد تزامن بين صناعة الورقة وتاريخ الكتابة عليها.

من جهته، قال د. أيمن  فؤاد سيد أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، إن هذا المخطوط يتشابه في الكتابة والزخرفة مع نظيره الموجود في المكتبة الوطنية الفرنسية، وهناك اكتشاف مهم في النصف الثاني من القرن العشرين في الجامع الكبير بصنعاء، والعثور على عدد كبير من المصاحف بالخط الحجازي، وهناك الكتابة المائلة أو الخط المكي وأطلقوا عليه الخط الحجازي، وبدأت دراسات تتم حولها.

لفت د. شريف شاهين رئيس هيئة دار الكتب والوثائق المصرية، إلى أن هناك 1500 مصحف في دار الكتب، وهي مصاحف كاملة في نفس الفترة، فلم هذه الضجة على اكتشاف ورقتين، ولدينا آلاف المقتنيات والوثائق، ولكنها تفتقر إلى اهتمام الإعلام العربي، وحان الوقت لتسليط الضوء على كنوز تراثنا في مكتباتنا الوطنية في سائر الدول العربية كنوز التراث في جميع دور ومكتبات الدول العربية.  

ألمح شاهين إلى أن هذا التراث المخطوط جزء من تاريخنا العربي والإسلامي، وبإهماله سيتعرض للإقصاء، إذا لم يتحول إلى تراث رقمي، والخوف أن تقول الأجيال المقبلة إننا لم نترك لها شيئاً.

الخط الحجازي

وقال د. علاء الدين الخضري أستاذ الكتابات والنقوش الأثرية الإسلامية، إن القرآن الكريم كتب في عهد الرسول على العشب والرقاق، وبعد ذلك أتت مرحلة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حيث جمع في مصحف، وفي عهد عثمان كتب القرآن في مصحف واحد، ويقال إن هناك خمسة مصاحف، وفي رواية أخرى سبعة مصاحف.

أوضح الخضري أن الخط الحجازي يرجع أصله إلى الخطين المكي والمدني المشتقين عن العهود السابقة للعصر الإسلامي، وعندما انتقلت الخلافة إلى الكوفة في عهد الإمام علي بن أبي طالب، نقل معه الخطين المكي والمدني، ثم أطلق عليهما اسما جامعا{ الخط الحجازي}، وتعود أقدم النصوص الإسلامية المحلية بالخط الحجازي إلى بردية مؤرخة سنة 22 هجرية.

انتهى الخضري إلى أن سمات الخط الحجازي، تبدو من خلال بعض الحروف كالغين والعين مفتوحة، وانزلاق بعض الحروف إلى أسفل في نهاية الكلمة، وتتشابه مع حرف الكاف، وقد اكتشف 40 ألف ورقة في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، مكتوبة بالمرحلة المبكرة، ورسم مصحف برمنغهام يتقارب مع الرسوم في القرن الأول الهجري، ومن المستبعد أن تنسب الورقتان إلى النصف الثاني من القرن الهجري.