سنة جديدة ولدت على صراخ الأبواق والمزامير وأضواء الألعاب النارية، مثلها مثل غيرها من السنوات التي سبقتها، والكل احتفل بها كعادتهم في كل عام، وأنا أيضاً احتفلت بها كعادتي كل عام في البيت مع أولادي والتلفزيون الذي كالعادة لم يقدم إلا السهرات المحملة بأغان تافهة ومطربين لا يطربون ومقدمي برامج مستهلكين أنفسهم في تكرار ساذج سمج، ومقابلات مع منجمين باتوا كعلامات تجارية ثابتة لاحتفالات رأس السنة الميلادية، وبات الناس ينتظرون توقعاتهم المحملة بالمصائب والكوارث التي يقارنون صدقها بحلول السنة الجديدة.

Ad

سنة ميلادية جديدة يحق للناس أن تحتفل بها وتفرح مهما كانت مللهم وطوائفهم وأديانهم واعتقاداتهم، فالاحتفال هو حالة فرح بميلاد سنة تخص الجميع، وليست حكراً للمسيحيين وحدهم، حتى وإن كانت تأريخاً لميلاد المسيح عليه السلام، فهي بنهاية الأمر بداية لحلول سنة جديدة مؤرخة للجميع على كل المستويات الحياتية، والاحتفال بالفرح بها شيء جميل ويُفرح، فلماذا لا يتشارك الكل في هذا الاحتفال، لأنه شيء غريب جداً أن نجد هناك من يحرمه بحجة أنه ميلاد المسيح ولا يحق للمسلمين الاحتفال به، وأنه حتى هذا الميلاد مشكوك في تحديد تأريخه؟

سبحان الله مازال هناك من يتطرف بأي حجة كانت وبأي سبب حتى يمنع الفرح والمشاركة فيه، والتواصل الحميم بين كل الطوائف الدينية ببث الخلافات المتعصبة المتطرفة بينهم.

سنة جديدة حلت علينا وهي محملة بمشاكل ومصائب سنة 2015، ونتمنى من الله أن تكون سنة 2016 قادرة على حلها وبسط السلام والخلاص من كوارث حروبها وانهيار اقتصادها، وإيجاد حل لأزمة سكان الملاجئ، ومشاكل الإرهاب والتطرف بكل أشكاله وأنواعه، فهل تكون قادرة على إيجاد ووضع حلول لها؟

التغير القادم آت بلا شك، وستكون هذه السنة بدايته في الدول الخليجية التي سبب لها هبوط وتدني أسعار النفط ما لم يكن في حسبانها، خاصة مع دخولها في حرب ضد الإرهاب الحوثي والداعشي، الذي مثل حالة من الاستنزاف تزامنت مع اتفاقياتها والتزاماتها لدعم مصر والدول العربية المتضررة من حروبها الداخلية، كل هذه الظروف الصعبة أوجبت عليها التغير الحتمي القادم، فمازالت دول الخليج، وخاصة الكويت، تتصرف بمد أقدامهم أكثر من لحافهم، أي عكس المثل الذي يقول: مد قدميك على قدر لحافك، وهذا يعني أن عليهم إعادة جدولة أولويات الميزانية العامة، خصوصا في الكويت، التي كان يجب عليها إيجاد حلول تستبق الأحداث لحل الأزمات التي تحصل فيها مثل هذه الهزات الاقتصادية غير المتوقعة، مثلما حدث مع الإمارات التي استبقت الأحداث من بداية ظهور أول علامة إنذار بالانخفاض القادم لأسعار البترول فرفعت أسعاره قبل التدني الحاد الحاصل الآن، وبهذا الحل نجت من العجز في ميزانيتها، والكويت التي كانت سباقة في ريادتها الخليجية باتت الآن في كل مرة تنتظر ردود أفعال الإمارات حتى تفعل مثلها، ما جعل رؤوس الأموال الكويتية تهرب إليهم بسبب تحرير سوقهم من المعوقات والقوانين التي تؤخر نمو اقتصادهم.

نتمنى أن يتحرر السوق الكويتي كي يعمل على جذب رؤوس الأموال الهاربة، ويعيدها للاستثمار الداخلي، وأن يستقطب الاستثمارات الخارجية بتسهيل القوانين لها، كما يجب فرض الضرائب على القطاع الخاص الذي رعته الدولة، واستفاد منها طوال عمر الدولة حتى سمن وزادت فوائضه، الآن حان الدور عليه ليرد جزءاً صغيراً مما منحته الدولة من خير لا يُعد ولا يُحصى، يجب أن يسدد للدولة ضرائبه، ففي كل بلاد العالم تُقتطع الضرائب من أرباحه الكبيرة المتحصلة من التسهيلات الممنوحة له، إلا في الكويت التي تزداد فيها سمنة القطط السمان عاما بعد آخر.

كما يجب أن تُفرض الضرائب ويُرفع الدعم عن الأثرياء الذين ليسوا بحاجة إليه، فكيف يتساوى المواطن المحتاج والثري غير المحتاج، فهذه معادلة غير عادلة بحق ميزانية الدولة.

التغير قادم حتى لا تهتز وتتأثر الميزانية، ويشعر المواطن بالأمان حين يستمر تقديم الخدمات الحياتية الأساسية له، التي تحترم كينونته وإنسانيته، وإن كان عن طريق اقتطاع جزء ضريبي من مدخوله، فزمن الدولة الريعية لن يستمر إلى الأبد.