ناهد فران: شرقنا يفرض علينا مراعاة المجتمع

أصدرت روايتها الأولى {زوايا النسيان}

نشر في 15-07-2016
آخر تحديث 15-07-2016 | 03:00
في روايتها الأولى {زوايا النسيان} تحاول الأديبة الشابة ناهد فران اختراق أماكن في عمق الذاكرة لتستخرج منها تجارب شخصية وعائلية واجتماعية، وتعاود رسم عالم يتعلم من الماضي ليؤسس لمستقبل أفضل.
الحرب عبارة مرادفة لكم كبير من الألم والمعاناة عاشتهما ناهد فران، ابنة مدينة صور الجنوبية، فكانت الشاهد على المجازر التي ارتكبتها اسرائيل بحق اللبنانيين وعايشت عن قرب أهوالها، فتركت في نفسها ذكرى لا يمحوها النسيان.
بأسلوب واقعي تنساب فيه الكلمات بعمق من دون تعقيد، وتتجلى فيه العواطف كما هي بقوتها وهدوئها وانفعالاتها، تتتالى أحداث الرواية، وتتمحور حول واقع الأسرة اللبنانية التي مزقتها الحرب وشتتتها، مع ذلك لم تقضِ على قيمها وتماسكها، فجنبت المجتمع اللبناني الانهيار... شاركت ناهد فران في ندوات ثقافية وأمسيات شعرية في صور وبيروت، لها ديوانان: {من وحي النساء} (2014)، {قبل الرحيل \من وحي النساء} (2015). 
حول تجربتها الروائية وعلاقتها بالواقع، كان الحوار التالي معها:

لماذا العنوان «زوايا النسيان»، وهل للنسيان زوايا في القلب، وما أهميته في التحفيز على الكتابة؟

للنسيان زوايا وطرق ومنعطفات نعبرها محملين بالأثقال وفي يدنا مصباح الكتابة مرشداً وصديقاً... وعند كل محطة نرمي بعضاً مما اتعب ذاكرتنا وأيامنا، بعضا مما يرهق كاهل احلامنا... نتخلى عن اوجاعنا... نسكنها «زوايا النسيان» راحلين بعيداً عنها غير عابئين سوى بمستقبل مشرق ينتظرنا وأيام جميلة ملونة بارادة من حديد وتحد للذات وطموح لا نهاية له. 

الرواية أقرب إلى البوح أكثر منها حبكة قصصية وتتالي الأحداث لبناء رواية، فهل هي تراكم تجربة شخصية أم مرآة تعكس تجارب المرأة عموماً في الحياة؟

أردت للرواية ان تقول بقالب البوح، بوحاً من البطلة عبير التي رأت في الكتابة ملاذا لامرأة عذبها الحب وشوه قلبها من تحب... وخلال بوحها للقراء بما كتمته بداخلها ولمن احبت بماضيها حاولت رسم ماضينا نحن وحاضرنا اللبناني، عبر سرد حياة اسرة لبنانية يفترض أنها عائلة البطلة .

لا تعكس الرواية تجربة شخصية لي بل هي مزيج من تجارب مفترضة لعدة نساء وملاحظات لفتتني، فصاغها الخيال على الشكل الذي ظهرت به، بالاضافة الى  بعض المشاهد التي حدثت معي في الواقع، فأنا عانيت التهجير واختبأت في الملاجىء هربا من العدو الاسرائيلي، وزرت معتقل الخيام مباشرة بعد التحرير في العام 2000، وانهارت اعصابي عند كل مجزرة وبكيت بحرقة حين استشهد الرئيس الحريري ...

إلى أي مدى يُسمح للمرأة الأديبة في الشرق بتغميس قلمها في أعماق ذاتها وكتابة تجاربها بتفاصيلها؟

أرفض التفريق بين أديبة واديب، فالكاتب إنسان سواء كان رجلا أو امرأة وهمومهما وهواجسهما مشتركة ... في شرقنا نحيا على المظاهر الخادعة ... في شرقنا لا يمكننا البوح بمكنونات انفسنا بل علينا مراعاة ما يريد المجتمع أن يعرفه عنا وان يشاهده من سلوكنا، وان كان في ذلك ظلم للانسان السجين بداخلنا ... فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالكتابة، وكيف اذا كانت جريئة نوعا ما... في حال انغمسنا في ذكرياتنا وروينا ادق تفاصيلها لن يتقبل القارىء الامر، لاننا حينها سنكون قد بحنا بالسيئات كما الحسنات وباخطائنا قبل مزايانا، لاننا بشر ولكل منا زلاته التي لا تغتفر بنظر البعض... هنا يكون الكاتب أمام مجازفة محفوفة بالمخاطر، لذا يتجنبها الجميع فتأتي السير الذاتية ناقصة وروايات الذكريات الحقيقية بمغلف يتقبله المجتمع وبمضمون يزيد من رصيد الكاتب في قلوب القراء ... وفي الحالة الثانية عندما ننحاز للخيال ونروي الرواية بجرأة خارقين التابوهات المحرمة  يخيل للبعض بأننا نحن من عشناها فتبدأ، الاسئلة: هل هي قصة حقيقية؟، هل هي نتيجة تجربة شخصية؟ وغيرها من الاسئلة التي أقابلها دائماً بأسئلة معاكسة: هل يجب ان يكون الكاتب لصاً ليكتب عن السرقة؟، هل يجب ان يكون الكاتب خائنا ليكتب عن الخيانة؟، هل يجب ان يكون الكاتب مريضاً نفسياً ليكتب عن الاضطراب النفسي أو شاذا ليكتب عن الشذوذ؟ أو مدمنا ليكتب عن الإدمان؟....) ما يميز الكاتب عن سواه قدرته على رسم الخيال بالكلمات معتمداً على الهامه ودقة ملاحظته بأسلوب يجعل من يقرأ يعيش التفاصيل وكأنها أمامه.

الحرب الزلزال

ترصد الرواية مسار عشق بدأ عاصفاً ولم يكتمل في الواقع لكنه استمر في قلب «عبير»، بطلة الرواية ووجدانها، فهل قصدت من ذلك إبراز عبير ضحية الظروف أم ضحية الرجل الشرقي الذي يتعامل مع المرأة العشيقة كأنها سلعة أو لعبة؟

 عبير مثال للمرأة التائهة التي ظلمتها الحياة وظلمت هي نفسها بسوء اختياراتها وظلمها من احبته بقسوته حين قرر انهاء علاقته بها بأسلوب عرضها للانهيار التام ... المرأة التي لا تجارب لها لتمتلك القدرة على نسيان حب بآخر أو تحمل تبعات الهجر ... هي امرأة أحبت للمرة الأولى بكل العاطفة التي كبتتها لسنوات فجاء عشقها عاصفاً ومدمراً ... علمت منذ البداية أن حبها محكوم عليه بالإعدام ورغم ذلك سارت نحوه كفراشة تحوم حول الضوء... تستجدي العاطفة التي كانت في امس الحاجة اليها ... سارت بكل مشاعرها واضعة عقلها والمنطق داخل صندوق مغلق لم تفتحه الا في النهاية وعلى مضض وخلافاً لما يريده قلبها.

 تتتبعين من خلال أحداث الرواية التحولات التي واجهتها الأسرة اللبنانية خلال الحرب التي عصفت بلبنان، فهل هذه التحولات برأيك أفرزت واقعاً جديداً أعطى المرأة جرأة أكبر في التعبير عن ذاتها؟

الحرب هذا الزلزال الاجتماعي الذي عصف بلبنان ترك بصماته على كل شرائح المجتمع، مما أدى الى علاقات مستحدثة في الاسرة اللبنانية، فخرجت المرأة الى المجتمع واقتحمت كل الميادين في الصحافة والاعلام والسياسة والادب وغير ذلك. وهذا الأمر أحدث تغييراً في دور المرأة وجعلها أكثر حضوراً وتألقا في ما بعد.

ما الرسالة التي أردت إيصالها إلى القارئ من خلال الرواية؟

 يمتاز اللبناني بحبه الغريب لبلده ... أو كما يقول المثل الشعبي (أنا وخيي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب)، فنحن قد نختلف ونتحارب ونعاني تبعات ذلك، ولكن في أوقات الخطر المقبل من العدو نتكاتف يدا واحدة، محاولين المساعدة كل بمجاله، وان كنا لاحقا سنعود إلى الخلافات والاتهامات المتبادلة والهواجس وعدم تقبلنا للرأي الآخر، وكأننا داخل دوامة لا ندري حتى اللحظة متى سنخرج منها. 

حلم تحقق

أين هي حدود الواقع والخيال في الرواية؟

يتداخل الواقع مع الخيال في الرواية بشكل كبير، فعندما أردت رسم طفولة البطلة ومراهقتها ضمن أسرة لبنانية، لجأت إلى ذكريات طفولتي، وعندما رسمت مثلا شخصية والد البطلة كان والدي حاضرا في بالي ... الخيال كانت له المساحة الاكبر في علاقة الحب التي طغت على احداث الرواية وتفاصيلها.

 ما الذي دفعك إلى خوض مجال الكتابة الروائية، الفكرة بحد ذاتها أم مقولة إن الزمن اليوم للرواية لا الشعر؟

الرواية كانت حلماً، بالنسبة إلي، حتى قبل نشر ديوان {من وحي النساء}، وقد سعيت اليه بهدوء وروية حتى انني نشرت ديواناً اخر {قبل الرحيل}، قبل اتخاذ القرار بنشر روايتي ... يقال إن الزمن اليوم للرواية لا للشعر، ولكن في اعتقادي الزمن اليوم للكلمة التي تلامس وجداننا وتعبر عنا وعما نخفيه في داخلنا ... الزمن اليوم للكلمة التي تقول ما نرغب بقوله سواء كانت في قالب الشعر أو الرواية. 

يغلب على الرواية فلسفة وجودية مستقاة من تشبث اللبناني ببلده، رغم الحروب التي واجهها من الاجتياح لإسرائيلي إلى الحرب الأهلية وغيرها، فهل تحاولين من خلال ذلك فهم التغيرات الحاصلة اليوم على الصعد كافة؟

الحروب العبثية التي عصفت ولا تزال بوطننا الصغير أم الكبير استوقفتني مع سؤال واحد: إلى أين؟ وكان لا بد لي من طرح، ولو بشكل غير صريح من خلال الرواية، أن هذه الحروب فككت أوصال مجتمعاتنا وعلاقاتنا الإنسانية وحولت اديان السماء من المحبة والتكامل وبناء المجتمع الأفضل الى هواجس لا نزال نعاني منها. اذن: اين هي السعادة المنشودة في مجتمعنا وهل يمكن الوصول اليها من دون ان نعيد النظر بكل علاقاتنا الموروثة من هذه الحروب؟

هل تحرك مشاعر الغدر والخيانة والهجر والفراق وحدها القلم ليكتب تجربة الحب، وماذا عن المشاعر الجميلة ألا تحرك القلم؟

تحرك المشاعر القوية القلم ليكتب سواء كانت مشاعر غدر وخيانة او سعادة ووفاء...المهم وجودها وقوتها، وقد تأتينا على شكل مشاعر عنيفة تجتاحنا او مواقف إنسانية نراها أمامنا، واحيانا فكرة تعن على البال تجعلنا نكتب من دون توقف لاظهار وجهة نظرنا في امر ما. 

يسيطر على الرواية أسلوب الحوار، فهل هذا الشكل برأيك أقرب إلى القارئ بحيث يشجعه على القراءة والتفاعل مع الأحداث؟

أسلوب الحوار يمتع القارئ ويجعله مشاركاً في الرواية، فمثلا ثمة فرق بين القول عن احدى الشخصيات إنها عاطفية وبين ان نترك الامر للقارئ ليكتشف ذلك من خلال الحوار... شخصياً أحب كتابة الحوارات واستمتع بها، وأرى نفسي في لحظات معينة مجرد مدونة لما أشاهد في خيالي من أحداث لا علاقة لي بصنعها أو تحديد مسارها...هي لحظات أغيب فيها عن عالمي تنتابني خلالها مشاعر غريبة لا يمكنني وصفها ولكنني  أحبها ...

ماذا بعد «زوايا النسيان»؟

ما بعد زوايا النسيان عمل أدبي آخر ساعلن عنه في حينه، ما يمكنني قوله الآن إنه مختلف عما كتبت سابقا سواء لناحية المضمون أو الأسلوب. 

صوت المرأة
صوت المرأة

في روايتها «زوايا النسيان»، تحمل ناهد فران لواء الدفاع عن المرأة، «ليس لأنها امرأة او تحيزاً لها كأنثى، بل دفاع عن الإنسان الضعيف في مجتمعنا».

تتساءل: «أفكر طوال الوقت: أما آن لهذا الشرق أن ينظر إلى المرأة كنوع أو جنس فاعل في المجتمع له فكره وامكاناته وقدرته على المساعدة في النهوض بالمجتمع؟ أما آن لهذا الشرق أن يتخلى عن فكرة الأنثى اللعبة أو الممتعة أو السلعة؟ ومعاودة النظر اليها كإنسان مساو للرجل في الخلق؟

تضيف: «من هنا، لا بد للمرأة أن تناضل لتصل إلى هذه الدرجة من الاعتراف بإنسانيتها، وكل محاولاتي في الكتابة هي لإيصال صوتها ومشاعرها وهواجسها وأحلامها وطموحها وعذابها وثورتها إلى العالم ... لإبراز هذا الحضور للمرأة المساوي لحضور الرجل، لأن كلمة إنسان تعني المرأة والرجل على السواء». 

الرواية لا تعكس تجربة شخصية لي بل هي مزيج من تجارب مفترضة لعدة نساء وملاحظات لفتتني
back to top