الشركات المملوكة للدولة في الصين عند مفترق طرق

نشر في 15-07-2016
آخر تحديث 15-07-2016 | 00:00
الشركات المملوكة للدولة في الصين تقف عند مفترق طرق، ونظرا للمخاطر العالية المترتبة على الإصلاح، فإن قادة البلاد على حق في التوقف بعض الوقت لتقييم خياراتهم، وأيا كان الطريق الذي سيقع عليه اختيارهم فسيكون عامرا بالتحديات.
 بروجيكت سنديكيت تواجه الصين في الآونة الأخيرة انتقادات لاذعة بسبب الاتجاه الذي سلكته إصلاحاتها للشركات المملوكة للدولة، وخاصة تعزيز دور لجان الحزب الشيوعي في إدارة تلك الشركات، وفي حين قد يبدو هذا وكأنه خطوة إلى الوراء بالنسبة إلى الإصلاحات الداعمة للسوق في الصين، فهناك أسباب وجيهة لتعزيز الرقابة، على الأقل في الوقت الحالي، ومع خضوع الصين لتحول جوهري يجعل اقتصادها مدفوعا بالإبداع، ومبنيا على المعرفة، وتقوده الخدمات، يتعين على قادتها أن يفكروا مليا في كيفية إصلاح الشركات المملوكة للدولة حتى يتسنى لها أن تساهم في الاقتصاد الجديد.

في الماضي كان دور الشركات المملوكة للدولة واضحا، فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، ساهمت هذه الشركات في تعزيز ظهور الصين ودعمها بوصفها قوة تصنيعية عالمية، من خلال قيادة طفرة تشييد مشاريع البنية الأساسية في الصين. وفي هذه العملية أصبحت مهيمنة لا سيما في القطاعات المعرضة للاحتكارات الطبيعية (مثل الاتصالات والطاقة) والقطاعات الاستراتيجية الأساسية (مثل الصلب والفحم والخدمات المصرفية).

لكن الأسواق التقليدية الوحيدة الجانب، حيث يجري تعطيل ريادة الشركات المملوكة للدولة الآن بفِعل شركات التكنولوجيا الجديدة، مثل علي بابا وتنسينت، التي تغطي أسواق الإنتاج المتعددة الجوانب، والخدمات اللوجستية، والتوزيع باستخدام منصات موحدة تستفيد من الاقتصادات ذات الحجم الكبير. ومن خلال خلق منصات للمستهلكين والمنتجين على نطاق صغير- وهو ما يمثل في الأساس بنية أساسية عامة- شكلت هذه الشركات تحديا مباشرا لنموذج عمل الشركات المملوكة للدولة.

تستجيب المنصات الرقمية الجديدة بسرعة وكفاءة لاحتياجات جماهير الناس، وتتسم هذه الشركات بنوع أكثر تعاونية أو تبادلية من أعمال التصنيع التقليدية، الأمر الذي يسمح للمستهلكين والمشاريع البادئة الأصغر حجما بتشكيل المنتجات والخدمات، من مرحلة التصميم إلى مرحلة التوزيع. ولأن عدد سكان الصين يبلغ 1.3 مليار نسمة- وهي ميزة تنافسية كبرى عندما يتعلق الأمر بالإبداع والقوة الشرائية- فإن هذه المنصات قادرة على تعطيل المنتجين الحاليين في السوق الوحيد الجانب من خلال تفوقه من حيث الحجم والسرعة والراحة، بما في ذلك القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية.

من ناحية أخرى يعمل نموذج الأعمال العتيق الذي تتبناه الشركات المملوكة للدولة- ناهيك عن جمودها الشديد- على تعقيد عملية تحديد الفرص الجديدة في توفير السلع العامة في اقتصاد متغير والاستجابة لها. على سبيل المثال فشلت شركات الاتصال والبنوك المملوكة للدولة في الصين في الاستجابة للتحديات التكنولوجية الجديدة، حتى الشركات الخاصة التقليدية مثل هواوي وميديا كان أداؤها أفضل كثيرا، فتكيفت مع الطلب الاستهلاكي المتحول وتكاليف العوامل المتغيرة من خلال إعادة التجهيز في أسرع وقت ممكن، والحصول على تكنولوجيا الروبوتات وتصميمات المنتجات من الغرب على سبيل المثال.

وتشكل هذه القدرة على الاستجابة السريعة أهمية بالغة اليوم بشكل خاص، حيث يطالب المنطق العنيد للتقدم التكنولوجي بتحويل نموذج النمو في الصين، ومع انخفاض الطلب على الأجهزة الاستهلاكية والسلع المعمرة، يتعين على الصين أن تبدأ بتطوير منتجاتها في مجال التكنولوجيا الفائقة، في حين تعكف على بناء قطاع خدمات قوي. ومع انخفاض الصادرات العالمية من السلع- سواء نتيجة للتقلبات الدورية أو تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة- يتعين على الصين أن تعمل على تنشيط قاعدتها الاستهلاكية المحلية.

بيد أن عدم القدرة على تحديث أدوار الشركات المملوكة للدولة ونماذج أعمالها يعوق الصين في هذا الصدد، فربما تتمتع الشركات المملوكة للدولة بالقدرة المتميزة على الوصول إلى الائتمان المصرفي، والموارد الطبيعية، والأراضي، ولكنها تعاني أيضا نظام حكم جامدا، وارتفاع معدل دوران العاملين، مدفوعا بحملة الرئيس شي جين بينغ لمكافحة الفساد. وعندما يتعلق الأمر بالموظفين الرئيسيين، فإن القرارات تعود إلى مؤسسة الحزب الشيوعي، ولهذا فإن تمكين الشركات المملوكة للدولة من إحداث التغيير يستلزم التوصل إلى الإجماع بين المسؤولين الداخليين والخارجيين القائمين على الأعمال والسياسات الصناعية والسياسة.

في أواخر التسعينيات، كانت القوائم العامة للشركات المملوكة للدولة تتمتع بالفوائد المزدوجة المتمثلة بتأمين الموارد الجديدة لمعالجة خسائر الإرث القديم ودفع مكاسب الحوكمة والإنتاجية، ولكن اليوم استحوذت منصات التكنولوجيا ذات الملكية الخاصة، والعديد منها مسجلة في الخارج، على قدر كبير من مكاسب تقييم الاقتصاد الجديد. ونتيجة لهذا يواجه صناع السياسات صعوبات جمة في محاولة إيجاد وسيلة لتمويل التدمير الخلّاق للشركات المملوكة للدولة التي عفا عليها الزمن والمثقلة بأعباء الدين، والقدرة الفائضة، والمعدات والتجهيزات العتيقة.

ويبدو أن حالة عدم اليقين هذه هي التي دفعت السلطات إلى إعادة النظر في خطة الإصلاح الأصلية الأكثر عدوانية، وهم يدركون أن التغييرات الطارئة على عنصر واحد- وخاصة إذا كان مهيمنا مثل قطاع الدولة في الصين- ربما تخلف عواقب بعيدة المدى، عندما تشكل الأنظمة الاقتصادية والمالية شبكات معقدة من مجموعة متنوعة من عناصر متشابكة ومترابطة. وفي ظل التعديلات الأخيرة لاستراتيجية الإصلاح، اكتسب قادة الصين بعض الوقت للتفكير في المكان اللائق للشركات المملوكة للدولة في الاقتصاد الجديد.

ربما تكمن الإجابة في تحديات البنية الأساسية العامة الجديدة- من ذلك النوع الذي تواجهه الاقتصادات المتقدمة بالفعل- بما في ذلك القضايا المرتبطة بأمن المعلومات والمنافسة، وإذا حولت الشركات المملوكة للدولة نماذج أعمالها لتوفير المنصة والخدمات التنظيمية بتكاليف منخفضة، من خلال الاستفادة من الاقتصادات ذات الحجم الكبير، فسيكون بوسعها على سبيل المثال أن تدير استخدام المعلومات من المنصات الخاصة الضخمة، أو ربما تساعد في توجيه دخول عمالقة التكنولوجيا الأجنبية مثل "فيسبوك" و"غوغل" إلى السوق الصينية، لضمان عدم اكتساب هذه الشركات قدرا أكبر مما ينبغي من الهيمنة.

ومن جانبها ربما تكون البنوك المملوكة للدولة قادرة على توفير التمويل المتعدد المستويات للملايين من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الساعية بحرص إلى تشكيل الاقتصاد الجديد وإثرائه. وأخيرا تستطيع الشركات المملوكة للدولة أن تدخل في شراكات بين القطاعين العام والخاص مع الشركات المحلية لتولي عمليات بناء وإدارة أنظمة النقل والمرور، والصرف الصحي في المناطق الحضرية، والهيئات المسؤولة عن سلامة الغذاء، ومكافحة التلوث، والأمن العام.

النبأ السار هنا هو أن الحكومة الصينية، على المستويين الوطني والمحلي، تمتلك الكثير من الأصول ذات القيمة الحقيقية، والتي تعادل أكثر من 140% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن الممكن أن تساعد هذه الأصول في ضمان سلاسة الانتقال إلى نموذج الأعمال الجديد للشركات المملوكة للدولة، من خلال سد الثغرات في شبكة الأمان الاجتماعي على سبيل المثال، ومعالجة التزامات الإرث القديم، بما في ذلك تلك الناشئة عن الفساد في الماضي، والقروض المتعثرة، وعدم توفير السلع والخدمات العامة بالقدر الكافي.

الواقع أن الشركات المملوكة للدولة في الصين تقف عند مفترق طرق، ونظرا للمخاطر العالية المترتبة على الإصلاح، فإن قادة البلاد على حق في التوقف بعض الوقت لتقييم خياراتهم، وأيا كان الطريق الذي سيقع عليه اختيارهم فسيكون عامرا بالتحديات. ولكن هذه التحديات تتضاءل بالمقارنة بالمشاكل التي قد تنشأ نتيجة للإصرار على نموذج الأعمال القديم الذي تدار به الشركات المملوكة للدولة.

أندرو شنغ & شياو غنغ

* أندرو شنغ زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لشؤون التمويل المستدام. وشياو غنغ مدير معهد IFF، وأستاذ بجامعة هونغ كونغ وزميل معهد آسيا العالمي.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

يتعين على الصين أن تبدأ بتطوير منتجاتها في مجال التكنولوجيا الفائقة
back to top