فجر يوم جديد : «من 30 سنة»!

نشر في 15-07-2016
آخر تحديث 15-07-2016 | 00:00
 مجدي الطيب «فيه حاجة غلط!» قالها أحمد السقا لخالته «نبيلة» - رجاء الجداوي – وأستعيرها كمدخل للحديث عن فيلم «من 30 سنة»، تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج عمرو عرفة، فالشعور الذي طاردني أثناء المشاهدة أن ثمة فتوراً لم أستسغه، وقلقاً لم أعرف سببه، منذ أن قص علينا الأديب «عماد» - أحمد السقا – بلسان الراوي حكاية روايته التي لم يكتبها بل كتبته وعاش أحداثها، حسب تعبيره، وأهداها إلى جده الثري «عبد التواب الطيب» - جميل برسوم – الذي نزح من المنيا إلى القاهرة، بعد وفاة زوجته الثانية، ودشن فيها متجراً لبيع الأسلحة، ولما وافته المنية جمع أبناءه وأحفاده، وألقى عليهم وصيته، التي أسفرت عن تقسيم تركته بالتساوي في ما بينهم، ولم يستثنِ «نجوى» - ميرفت أمين – ابنة الراقصة «سوزان» و{هدى» أصغر وأفقر أبنائه!

هنا يلفت المخرج عمرو عرفة الأنظار بمهارته في إضفاء مسحة لونية وضعتنا في قلب تلك الفترة الزمنية، وهو ما تأكد عبر واجهة متجر الأسلحة، وأفسدته «الباروكة» المستعارة للابن الأكبر «حسن» - صلاح عبد الله – وصبغة الشعر المفضوحة للابن الأصغر «جمال» - أحمد فؤاد سليم – ومبالغة شقيقتهما «نبيلة»، وبعدها يستعرض الفيلم الأحفاد: «نهى» - جميلة عوض و{سليم» - محمد مهران – نجلي «حسن» و{رشا» - نور – كريمة «جمال» و{هاني» - نبيل عيسى – نجل «نجوى» ثم «عماد» - أحمد السقا - قبل أن ينضم إليهم «عمر» - شريف منير – العائد إلى الوطن، بعد إقامة استمرت خمسة عشر عاماً في بلد الضباب، محملاً بالملايين التي وصفها بأنها «إرث ملعون» انتقل إليه من مخدومه البريطاني، وهو المبرر الذي يبدو ساذجاً، ولا ينطلي على المتابع للأحداث، قبل أن تبرهن النهاية على كونه مبرراً متعمداً!

يعج السيناريو بالشخصيات التي تُربك المتلقي غير المحترف، وتصبح الثروة الملعونة مطمحاً للعائلة، وفرصة لفضح خباياها من أزمات وربما أحقاد، فالأديب «عماد» يقيم في بنسيون بعيداً عن قصر العائلة، كونه ابن المرأة الفقيرة المغضوب عليها، ويتفرغ لدراسته النقدية عن «اللا منتمي» للكاتب الإنكليزي كولن ولسون، و{نبيلة» تعاني الألزهايمر، لكنها لم تتخل عن عجرفتها، بينما «عمر» طلق ثلاث زوجات، الحال نفسه بالنسبة للشقيقين «نهى» و{سليم»، اللذين دفعا ثمن جشع والدهما «حسن» وتكالبه على المال، و{رشا» تسعى لاستعادة حب «عمر»، بعدما خذلته وهو فقير، بينما «نجوى» متصابية تعشق «بسام» - تامر شلتوت – الشاب الذي يناهز «هاني» في العمر فتكون سبباً في إدمان ابنها!

كل هذه الشخصيات لم تروِ ظمأ الكاتب أيمن بهجت قمر، فزاد عليها الناشر «هشام» - محمد دسوقي – الذي يُصبح تكئة لتوطيد علاقة صداقة بين «عماد» و{حنان البغدادي» - منى زكي – الشاعرة السكندرية فقيرة الحال والموهبة، وتزداد وتيرة الغموض مع ظهور «المجذوب» - محمود البزاوي – الذي يتنبأ للمليونير بأنه سيقتل تسعة، ومع توالي حالات الوفاة غير الطبيعية يرتاب المتابع للأحداث في «عمر»، وهو خطأ درامي فادح، فيما تبدو علاقة الشاعرة بالعائلة مفتعلة، رغم محاولة الإيحاء بأن «عماد» أحبها، و{عمر» تعلق بها، ولكي تكتمل شخصيتها الانتهازية، التي حاول الفيلم نفيها، تتزوج «عمر»، ويخطط «عماد» لفضحه أمامها، وعندما ينجح في التخلص منه، ويتزوجها، تتداعى الحقيقة أمام «نهى»، وتثأر لنفسها.. وللقيم العائلية!

كتبت من قبل أنوه باهتمام كتاب السينما المصرية بـ «التويست» أو الحيلة الدرامية التي تقلب الأحداث رأساً على عقب، لكن الاهتمام تحول إلى إفراط، وكأنه الهدف من الفيلم، وهو ما رأيناه متجسداً في فيلم «من 30 سنة»، الذي بدا متخماً بالشخصيات، والخطوط الدرامية، في ظل تراجع الصراعات المنطقية، وطغيان الثرثرة والتكرار، واللجوء إلى الأغنية من دون مبرر، مع الاهتمام بشخوص درامية (شريف منير، أحمد السقا، منى زكي وميرفت أمين) على حساب شخصيات أخرى مسطحة (نبيل عيسى، محمد مهران، جميلة عوض، صلاح عبد الله، أحمد فؤاد سليم، محمود البزاوي ورجاء الجداوي) يمكن إسقاطها من الحسبان من دون أن تترك فراغاً من أي نوع!

ترتب على هذا تفوق واضح في أداء شريف منير وميرفت أمين، التي نجحت بخبرتها الكبيرة في تقديم واحد من أفضل مشاهد السينما المصرية، وهي تستسلم لقدرها مستقبلة الموت وكأنها تنتظره، بينما اتسم أداء «السقا» بالجمود، والعجز عن التلون، وفقدت منى زكي الخط الفاصل بين تقديم شخصية خفيفة الظل و{النصابة»، واختلف أداء بقية الممثلين، وكأن كل واحد منهم اختار الأسلوب الذي يروقه، فيما اتسم مشهد عائلة الشاعرة السكندرية بصخب وضجيج لا يمكن احتمالهما، فضلاً عن التعسف الشديد في محاولة إظهار التناقض بين عائلة «الطيب» المتنافرة و{البغدادي» المترابطة، وتجدر الإشادة إلى دعم المنتج للتجربة، والدهشة من الكاتب الذي استغرقته «الحيلة» ونسي «الإرث الملعون»!

back to top