أثر تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي على البنوك الايطالية، كما دفع الى اختبار قوانين أوروبا الجديدة بشأن معالجة مؤسسات الاقراض المتعثرة، وكانت موجات الصدمة التي نجمت عن قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، او ما يعرف بإسم بريكست، قاسية الى حد كبير وكانت الأسواق تتخوف من أن يكون ذلك نذيراً بحدوث ضعف في النمو في أوروبا وفي معدلات الفائدة المتدنية. ولا تعتبر هذه الحصيلة جيدة بالنسبة الى البنوك، وقد تأثرت بشدة بالغة ايطاليا التي تعمل في ظل أعباء ديون قاسية معدومة واقتصاد هش، وعلى سبيل المثال فإن أسهم يوني كريدي وهو الأكبر هبطت بما يعادل ثلث القيمة، كما أن البنوك من الدرجة الثانية وعلى الرغم من كونها في وضع أفضل هبطت بنسبة وصلت الى 30 في المئة أيضاً.
ولكن مؤسسات الاقراض ضمن الفئة الثالثة في ايطاليا – والأقدم من نوعها في العالم مثل "مونت دي باسشي دي سينا" الذي تأسس في سنة 1472، قد تضررت بقدر أكبر، وهبطت أسهم ذلك البنك بعد تسرب أنباء عن طلبه من البنك المركزي الأوروبي خفض ديونه المعدومة من السنة الماضية والتي بلغت 46.9 مليار يورو ( 52 مليار دولار ) أو ما يعادل 35 في المئة من كل اقراضه الى 32.6 مليار يورو بحلول سنة 2018. ويقول البنك إن ذلك كان ضمن خطة معدة في وقت سابق ولكن أسهمه هبطت على الرغم من ذلك. ويتم الآن تداول أسهم ذلك البنك عند حوالي عشر قيمتها الدفترية، وحسب تقديرات المحللين لدى بنك مورغان ستانلي فإن البنك في حاجة الى رسملة اضافية تتراوح بين ملياري و6 مليارات يورو.
ضخ الأموال في البنوك
عمدت عدة حكومات أوروبية الى ضخ كميات من المال في النظام المصرفي في بلادها في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لكن الحكومة الايطالية لم تقدم على مثل تلك الخطوة ويرجع ذلك في جزء منه الى أملها الزائف في أن يخفف التعافي الاقتصادي فيها من أعباء ديونها المعدومة. وتبلغ تلك الديون في الوقت الراهن 360 مليار يورو أو 18 في المئة من قروض كل البنوك وضعف ما كانت عليه في سنة 2011. وتصل القروض الأشد قسوة الى 200 مليار يورو. ومن المقرر أن ينشر مشرفو الاتحاد الأوروبي في 29 يوليو الجاري نتائج أعمالهم المتعلقة بإختبارات الجهد في 51 مؤسسة اقراض أوروبية ولكن ذلك لن يخدم بنك كونت يدي باسشي الذي كان واحداً من تسعة بنوك ايطالية يفشل في اختبارات سنة 2014. وقد أعقب ذلك عمليات اندماج قاهرة واغلاقات وزيادة في رأس المال. ويريد رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينزي مساعدة البنوك على تقليص ديونها المعدومة واعادة الرسملة من خلال الأموال الحكومية اذا دعت الحاجة الى ذلك، ولكن تم في الآونة الأخيرة تشديد القيود المفروضة على تقديم مساعدات حكومية الى الشركات ما جعل ذلك الهدف أكثر صعوبة الى حد كبير. كما أنه منذ بداية هذه السنة أصبح يفترض في أي بنك يتلقى مساعدة حكومية أن يصنف ضمن الفئة المفلسة بشكل فعلي وبالتالي سوف يتعرض المساهمون وصغار الدائنين الى خسارة قد تصل الى 8 في المئة على الأقل من التزامات البنك.ويسعى رئيس الوزراء الايطالي الى تفادي تلك الحصيلة مهما بلغ الثمن وذلك لأن شريحة دائني البنوك الايطالية تضم الملايين من المواطنين الايطاليين العاديين، كما أن العائلات تملك ما يصل الى حوالي 200 مليار يورو من سندات البنوك القابلة لخسارة المال وهو ما يشكل 5 في المئة من الأصول المالية لتلك العائلات. وقد تراجعت قيمة الأسهم لأن الناس أصبحوا يعرفون أخيراً بوجود مخاطر، وأفضت عملية انقاذ شملت أربعة بنوك صغيرة في شهر نوفمبر الماضي وتعرض فيها حملة سندات الى خسارة، الى موجة احتجاجات واسعة النطاق كما أقدم أحد الموفرين على الانتحار، وربما يفضي تكرار مثل ذلك السناريو الى هزيمة رئيس الوزراء الايطالي في استفتاء شعبي في شهر أكتوبر حول اصلاحات دستورية كان يعلق عليها أمل وجوده في السلطة.المخاطر العالية
وتعتبر المخاطر عالية جداً بالنسبة الى اللجنة الأوروبية أيضاً، ولا تريد هذه اللجنة أن تعرض قوانينها الجديدة للضغط في أول اختبار لها ولذلك يجري البحث عن طريقة تسمح لايطاليا بوضع الأموال العامة في البنوك فيما تعمل على انقاذ حملة السندات، وتتمثل احدى الطرق في ضخ أموال حكومية "احترازية" من أجل ضمان الاستقرار المالي من دون تعريض البنوك الى حالة افلاس، وقد يمثل الأداء السيئ في اختبار الجهد أحد المبررات المحتملة لهذه الغاية. ولكن على الرغم من ذلك فإن تلك الخطوة تظل مثل مساعدة حكومية، وبالتالي سوف تفضي الى خسارة أموال، ويقترح بنك مورغان ستانلي من أجل الالتفاف حول ذلك تأسيس صندوق لتعويض المستثمرين الأفراد على أساس أن السندات بيعت بصورة سيئة في المقام الأول، وسوف يمثل ذلك اجراء عادلاً لأن العديد من المستثمرين كانوا على قناعة بأن تلك السندات كانت آمنة على شكل ايداعات مضمونة بصورة قانونية.وقد أشارت تقارير الى أن رئيس الوزراء الايطالي يفكر في تأسيس صندوق اعادة رسملة بقيمة 40 مليار يورو ولكن مسؤولين على اطلاع على هذه الخطط يقولون إن كمية أقل من الأموال قد تكون محتملة وربما لن تتجاوز 10 مليارات يورو فقط. وقد يكون هذا المبلغ كافياً من أجل اعادة رسملة بنك مونتي دي باسشي، وربما بعض البنوك الصغيرة أيضاً، وهكذا قد تمثل تلك العملية خطوة مساعدة من أجل اصلاح النظام المصرفي. ومن خلال هذا الاجراء سوف تتمكن عدة بنوك من زيادة رأس المال من حسابها الخاص اذا احتاجت الى ذلك، ولكن تسوية الديون المعدومة تتطلب وقتاً – كما أنه بالنسبة الى مؤسسات الاقراض تمثل عمليات البيع وشطب الديون ضربة مؤلمة، فالمشترون المحتملون يضعون القروض الصعبة عند أقل من 20 في المئة من القيمة الدفترية بشكل وسطي أي أقل من نصف خفض قيمة الموجودات في دفاتر البنوك. ويشتكي المصرفيون الايطاليون من أن الضغط من جانب الجهات التنظيمية الأوروبية من أجل القيام بعمل سريع سوف يفاقم من سوء الوضع. وقد يكون من السهل بيع الشقق والأبنية التجارية في ميلانو أو روما ولكن ذلك سوف يكون أكثر صعوبة في الأسواق التي تفتقر الى سيولة في مناطق تجهد للعمل، ويضاف الى ذلك أن عملية الاسترجاع يمكن أن تستمر لسنوات وهو اجراء يسعى اصلاح عملية الافلاس الحالية الى تغييره.الأمل الجديد
ويتمثل الأمل الجديد في أن يتحمل أتلانته وهو صندوق بقيمة 4.25 مليارات يورو تأسس في شهر أبريل الماضي بأموال بنوك وشركات تأمين المزيد من الأعباء، ولكن تم إنفاق 2.5 مليار يورو على شراء أسهم في بنكين ضعيفين وتجري الآن محاولات لدعم هذا الصندوق بمبلغ يتراوح بين 3 مليارات و5 مليارات يورو.ومن المؤكد أن مشاكل إيطاليا المصرفية تنطوي على أكثر من مجرد رأس المال ومزيد من عمليات بيع الأصول وخفض قيمة الموجودات واندماج بعض مؤسسات الاقراض الصغيرة، وهي خطوات تعمل الحكومة الايطالية على تشجيعها، ولكن حتى ذلك لن يكون كافياً لأن البنوك سوف تجد صعوبة في الازدهار اذا كان الاقتصاد في حالة ضعف.