كُرمت باريس مجددا فمُنحت شرف تنظيم دورة الألعاب الاولمبية الثامنة بعد 24 عاما من المرة الأولى، و30 عاما من تأسيس اللجنة الاولمبية الدولية، وتزامنت مع مرحلة التغيرات الثقافية والفنية والعروض المسرحية والمناظرات والندوات التي راجت كثيرا في المقاهي والمسارح.

وامتدت الفترة التي خصصت للألعاب من 4 مايو إلى 27 يوليو 1924، وشارك فيها 3088 رياضيا بينهم 135 امرأة من 44 بلدا، تنافسوا في 18 لعبة هي الملاكمة والمصارعة والدراجات وكرة الماء والتجذيف والفروسية وألعاب القوى واليخوت والجمباز والسباحة والغطس والبولو والركبي والخماسي الحديث والرماية وكرة المضرب ورفع الأثقال والسلاح وكرة القدم.

Ad

أما الدول الوافدة الجديدة فهي ايرلندا والمكسيك وبولندا ورومانيا والاوروغواي والفيليبين والإكوادور. وحرمت ألمانيا من المشاركة كما حصل قبل 4 أعوام.

وبدءا من هذه الدورة، منحت اللجنة المنظمة نقاطا للفائزين الستة الأوائل في الأدوار النهائية، فأعطت الحاصل على المركز الأول 7 نقاط، وصولا إلى نقطة واحدة لصاحب المركز السادس، واعتمدت للمرة الأولى قرية أولمبية مجمعة للرياضيين.

وفي الترتيب النهائي لجدول الميداليات، حلت الولايات المتحدة أولى برصيد 45 ذهبية و27 فضية و27 برونزية، تلتها فنلندا (14-13-10) ثم فرنسا (13-15-11).

افتتاح كبير

تحولت بقعة معزولة في منطقة كولومب إلى واحة نابضة بالحياة، حيث الاستاد الذي يتسع لستين ألف متفرج، وازدحمت مدرجاته بهذا العدد الكبير يوم الافتتاح بتاريخ 5 يوليو، ووصف هنري دومونتليرون المشاركين في طابور العرض بأنهم زهور العالم.

وإذا كان "تدشين" الألعاب حشد جمعا كبيرا من مشاهير العالم، فتقاطرت سيارات رولز رويس لنقلهم ومنهم شاه إيران وإمبراطور إثيوبيا هايلي سيلاسي وأمير رومانيا، واحتلوا أماكنهم في منصة الشرف بجانب رئيس فرنسا غاستون دوميرغ، فإن المنافسات جيشت شريحة الفنانين والأدباء والشعراء واحتدمت "المعارك الأدبية" في تمجيد الابطال سعيا إلى الظفر في المباريات الأدبية الموازية.

استوحى الفنانون أعمالا عدة من برج إيفل المشرف على كولومب، وقسم الرياضيين الذي أداه أحد أبرز الوجوه المحلية جيو أندريه الذي سبقت له المشاركة في دورتي لندن 1908 واستوكهولم 1912، والمبارزات والنزالات ومسابقات المضمار والميدان، ومنهم جان كوكتو الذي لم تكن مشاهدة المباريات مألوفة لديه، وبالتالي "عايش غرائب" كثيرة من على المدرجات.

كانت المرحلة عصر أدباء منذ بول كلوديل وبول فاليري وأندريه جيد والفرق الموسيقية الجوالة، والأغاني التي تدغدغ القلب والرأس، وأشهرها أغنية موريس شوفالييه الداعية إلى الحب والانشراح "لننسى الهموم... الأحزان عابرة وكل شيء يتدبر".

وكان هناك رسامون أمثال إيريك ساتي الذي استوحى أعمالا ولوحات من أجواء المباريات وتفاعل الجمهور... كتاب وموسيقيون واظبوا على الحضور والمتابعة من المدرجات أمثال جيو شارل الفائز بذهبية الأدب وهو من المواظبين على المشي الرياضي والذي وصف رامي الجلة بمن "يحضن قلبه ويرمي الثقل بعيدا، كتلة مآسي يتخلص منها".

وطبعا النتائج الأدبية والفنية لم تنل رضى الجميع، اذ استاء دومونتليرون واعتبر نفسه الأحق بالتتويج، ومثله الرسام الياباني المقيم في العاصمة الفرنسية فوجيتا.

كثر هم الذين خطفوا الأضواء، في مقدمهم العداء الفنلندي بافو نورمي نظرا لإحرازه خمس ذهبيات في جري المسافات المتوسطة والطويلة، وعداء المسافات القصيرة الاميركي هارولد ابراهامز، والسباح الاميركي جوني فايسمولر الذي لعب دور طرزان على الشاشة.

منازلة في سباق 800م

وحكي عن سباق 800 م كما يحكى عن أساطير الإغريق، وهو جمع السويسري بول مارتن والبريطاني دوغلاس لووي في "منازلة" استقطبت اهتمام الأدباء، وبعد نحو 20 عاما جسدت وقائعها من خلال عمل مسرحي لجان لوي فارو، وقاد الفرقة الموسيقية شارل مونش.

بلغ طول لفة مضمار استاد كولومب 500 م، وتنافس في "السباق الأسطوري" 3 اميركيين و4 بريطانيين، ومارتن الذي أصبح لاحقا جراحا مشهورا.

ويتذكر السويسري لحظاته كافة، "كانت الأنظار مصوبة إلى البريطاني ستالارد، وقد تجاوزته قبل أن يفاجئني لووي، لذا استنزفنا قوانا حتى خط النهاية. في البداية تقدم ستالارد بنحو ثلاثة أمتار، وحين تراجع نفذ لووي من الزحمة وحيث تعين علي ملاحقته، كان امامي بنحو خمسة أمتار، ووصلنا معا لكنه اجتاز قبلي شريط النهاية. والتفت نحوي ونادني عزيزي بول، إذ سبق أن تعارفنا وركضنا معا في دورة الألعاب الجامعية، وأدركت فوزه وصافحته مهنئا".

ويؤكد مارتن انه سر بإحرازه الميدالية الفضية وكأنه صاحب المركز الاول.