حول اللهجة العامية...!
فعلاً... هي كارثة مرعبة أن تهيمن على أمة "القرآن" اللهجات العامية عبر وسائل الإعلام باختلافها، كما غدت تحفل بها وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن الحوارات الاعتيادية.وقد سألت يوماً نجيب محفوظ عن سر حرصه على الكتابة بالفصحى، مع أن معظم شخوص رواياته من قعر الطبقات الشعبية...! فأجاب: - لأنني أرى أن العامية آفة لا تقل عن آفة الفقر، ولا تقل عن آفة الجهل، بل إنها مرض، وإن شيوعها يؤدي إلى دمار الأمة العربية...!
• أما رأي الدكتور طه حسين، فهو أكثر صلابة في تصديه لشيوع العامية، حيث قال لي في حواري معه في برنامج "أديب الأسبوع"، الذي كنت أقدمه في الستينيات في إذاعة الكويت: - إنني أمقت العامية ولا أحبها، ولا أقرأ كتاباً يتضمن ألفاظاً عامية، بل إنني لا أحب الكتّاب الذين يكتبون بها. • الغريب أن معظم من يعادون فكرة القومية العربية هم الأكثر حماساً لشيوع اللهجة العامية كسعيد عقل، الذي كتب أجمل قصائده باللغة العربية، قبل أن يصاب بلوثة التعصب، فصار يدعو اللبنانيين إلى ترك اللغة العربية، واستخدام العامية اللبنانية لتكون اللغة الرسمية...!• وكذلك موقف الأديب المصري الدكتور حسين فوزي صاحب "السندباديات"، الذي قال لي في نفس البرنامج: إن القومية العربية جعلتني متخلفاً بعد أن كنت أحد أهم مصادر الحضارة، فجاء عمرو بن العاص فقضى على حضارتي، بدلاً من أن يقضي على وثنيتي...!، فهل تريد مني أن أصفق للقومية العربية، وحريق مكتبة الإسكندرية مرتبط بهذه القومية...!- سيدي... كلامنا عن اللهجة العامية لا القومية العربية. - أحب أن أقول لك حاجة: التقيت في بداياتي باثنين هما أحمد خيري سعيد، ومحمود طاهر لاشين، وكانا من كبار المثقفين، وكانا يكتبان بالعامية... ولهما يعود الفضل في جعلي كاتباً.- بالعامية؟- مالها العامية؟!... إنها أكثر صدقاً في التعبير.- نجيب محفوظ اعتبرها آفة.- أنا أرفض وصف اللهجة العامية بالآفة، لأن اللغة العربية الفصحى تعتبر لغة أجنبية لدى قطاعات كبيرة من الناس، ليس في مصر فحسب، بل في جميع أنحاء الوطن العربي. - هل العامية تصلح لغة ثقافة رفيعة؟- أولاً: لا يوجد شيء اسمه ثقافة رفيعة، وثقافة غير رفيعة، فمجرد قولك (ثقافة) معنى ذلك أنك ارتفعت إلى مستوى عال من التفكير نحو ما يحيط بالإنسان من تطور ينتمي إلى عالم الفكر والفن والأدب والعلم، بأي وسيلة للتعبير، فصحى أو عامية.* * *• وتبقى المعركة مستمرة بين هيمنة العامية على أمة "القرآن" قائمة، مادام هناك من يتحمس لها، وهو لا يعلم أن الأمة لا تفقد بذلك لغتها، بل تفقد هويتها...!