وراء «البوكيمون» ما وراءها
قيل في الأشعار العربية تحذيراً من اجتماع الشباب والفراغ والمال "إن الشباب والفراغ والجدة... مَفسدة للمرء أيُّ مفسدة"، واليوم مع تطور كل مناحي الحياة أصبح الفراغ ظاهرة اجتماعية تعانيها كل المجتمعات، وإن بشكل متفاوت، ويبرز ذلك في المجتمعات الأكثر رفاهية، وتبدلت وسائل قضاء وقت الفراغ من الألعاب والمسابقات الشعبية فيما مضى إلى استخدام العلم والتكنولوجيا وتطورها السريع، فأصبحنا نمسي على ظهور لعبة إلكترونية ونصبح على أخرى، حتى باتت إدماناً لكثير من الناس، رغم ما تجمعه من الغث إلى جوار السمين، بل أصبحت هذه الألعاب مجالاً رحباً وخصباً لنشر الأفكار والمعتقدات. وحيث إن الإنترنت وسط لا رقابة حكومية أو مجتمعية عليه، فضلاً عن انتشاره كالنار في الهشيم، ليصل إلى أقصى بقاع الأرض، فإنه بات وسيلة رخيصة وسهلة لبث سموم وأفكار بعض المنظمات الإرهابية ومراكز الاستخبارات والتجسس العالمية.
ولعل آخر صرعات هذه الألعاب، والتي تجاوزت كل ما سبقها، لعبة "البوكيمون" التي أولع الكثيرون بها مستغلين شخصية أحد الرسوم المتحركة، وأعتقد جازمة أنها لعبة استخبارية يستفيد من تداعياتها البعض، ولا أدعي معرفة بها، لكن ما يصلني من منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يجعلني أكثر تشبثاً بما أوردته آنفاً بأنها لعبة استخبارية، فهناك طلبات وأوامر ترسل إلى من يلعبها بالتحرك إلى مواقع معينة، ويتم تصويرها إلكترونياً وربطها مباشرة بمواقع وروابط معينة، فهل هناك أدنى شك في أنها لعبة توفر لمراكز الاستخبارات جواسيس بالمجان دون أي مخاوف أمنية، كذلك فإن هناك تداعيات أخطر تحدق بأخلاقيات المجتمعات المحافظة وضرب حرمة بعض الأماكن والأملاك الخاصة واستباحتها واستحلال حرمتها، فأي مصيبة قد يصاب بها المجتمع إذا ترك الأمر على عواهنه دون قيود؟ عندئذ سنجد جرأة لم يسبق لها مثيل في دخول البعض أماكن حرمات الآخرين بحجة متابعة هذه اللعبة الشيطانية، إنها فتنة تفوق ما سبقها من فتن وتتجاوزها، وربما هي الفتنة الدهماء التي حذرنا منها رسولنا الكريم صلوات وربي وسلامه عليه، فالحذر الحذر قبل تغلغلها أكثر وأكثر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وعلى القائمين علينا وولاة أمورنا المسارعة إلى احتواء آثار هذه اللعبة قبل أن يستفحل خطرها ويستشري شرها هي وغيرها من ألعاب ستظهر علينا مع الانتشار السريع للإنترنت، فعلى الحكومة الإيعاز والتنبيه والتشديد بصورة عاجلة على وزاراتها، كل في مجال اختصاصه، بالعمل على تلافي ما قد تسببه من آثار، وكذلك على العلماء وباحثي علم الاجتماع وعلم النفس والتربية التداعي إلى دراسة آثارها، وعلى رجال الفكر والدعاة التنبيه على مخاطرها على المجتمع، وألا يستهينوا بالأمر، فقد قيل في الأمثال "معظم النار من مستصغر الشرر". والحافظ الله يا كويت.* مقولة أعجبتني: "إذا أقبلت الفتنة عرفها العقلاء وإذا أحرقت عرفها السفهاء".