بالتأكيد كنا دائماً بحاجة إلى تجديد الفكر العربي، وتنقية العقل العربي من شوائب كرَّسها الماضي، الذي سيطر على هذا الفكر وجمَّد التحديث الذي يتواكب مع العصر، ونحن اليوم في أمسِّ الحاجة للعمل جديا على إيجاد حركة فكرية تستطيع المحافظة، على الأقل، على مكتسبات فكرية بدأت في القرن الماضي. ما يحدث اليوم، هو تباين واضح ومخيف بين المادي البحت والديني المتطرف وانتفاء للوسطية واختفاء الفكر التنويري، بعد أن فشلنا في خلق جيل ثانٍ من المفكرين، رغم اقتصار الجيل الأول على محاولة نقل الوعي الغربي وفشله في خلق فكر عربي مستقل ومقبول.
المدارس التي ينتمي إليها الشباب اليوم تنقسم إلى مدارس دينية طائفية ساهم الإعلام الديني في السنوات الأخيرة في تكريسه والعمل على نشره تحت إشراف دعاة نجحوا إلى حد كبير في زرع أفكار القتل والعداء للآخر، حتى وصل هذا العداء إلى الأسرة الواحدة، فيقتل الابن أباه أو أمه أو شقيقه، وهو يعتقد أن ذلك هو الطريق الأكثر قربا إلى حالة التطهير والوصول إلى الخلاص من الآثام. أما المدارس الأخرى، فهي تبدو نقيضة للأولى، لكنها في الحقيقة تمثل اغترابا تاما، وتخرج الشباب إلى الضفة الأخرى من التعلق بالماديات الزائفة، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إنشاء جيل أقل صفة يمكن أن نطلقها عليه، أنه جيل بلا هدف، جيل اقتصر في سلوكه الاستهلاكي على كل منتج جديد تصدره الحياة الغربية عدا الفكر. في القرن الماضي نشطت الحركات الفكرية في العالم العربي، وشكَّل أساتذة الفكر ودارسو الحضارة والفلسفة الغربية جوا ثقافيا في تمهيد من المفترض أن يخلق لدينا تطورا طبيعيا ينشط من خلاله العقل العربي، للتخلص من رواسب ماضوية، والعمل على تنقية تراثنا من ترسبات لا تتسق والحياة المعاصرة. لكن ما حدث في القرن الحالي كان نكوصا مريبا لهذه الفرضية الطبيعية، واختفت أسماء فكرية وفلسفية حملت على عاتقها الفكر التنويري. وكان من الطبيعي أن يصاحب هذا الاختفاء اختفاء البرامج الفكرية الحقيقية وانتعاش برامج الصراعات الفئوية التافهة، وكان من الطبيعي أن تختفي المجلات الفكرية والصفحات الثقافية وأقسام الفلسفة، وتنتعش صفحات الأجساد العارية وأشباه المطربات. بالتأكيد، هناك مجموعة صامتة تنزوي في مكان ما تؤمن بقدرة العقل العربي في التغلب على هذا الجهل في صورتيه السابقتين، وبالتأكيد هذه المجموعة لا تجد قنوات تعبيرية تمكنها من أن تكون مجموعة فاعلة. وهي تعيش حالة فردية عاجزة عن التأثير وسط ارتفاع الصوت المتطرف من جهة، وانتشار المادية البحتة من جهة أخرى. ولا يمكن أن تكون تلك النزعات الجديدة في الحياة العربية نشأت نتيجة مصادفة محضة، ودون ترتيب ما من جهات ترى في مصلحتها إذكاء هذا العبث الذهني، سواء كان بنوايا حسنة، وهو ما نستبعده، أو بنوايا سيئة، وهو ما نعتقده.حتى الآن لا نجد جهة فاعلة حقيقية بإمكانها استقطاب الفكر المعتدل وإعادة هذه العقول الطائشة إلى وعيها، ولا نجد من يعيد الاتزان للعقل العربي، لكننا سنظل نعلق أملا على مجاميعنا الصامتة.
توابل - مزاج
تجديد الفكر
17-07-2016