ما قل ودل: الرأي والرأي الآخر ... جوهر الديمقراطية في الكويت (1)

نشر في 17-07-2016
آخر تحديث 17-07-2016 | 00:10
 المستشار شفيق إمام أتوجه بالشكر إلى كل من هاتفني ليثني على الدراسة التي نشرت لي على صفحات "الجريدة" تحت عنوان "شبهات عدم دستورية قانون من قوانين الساعات الأخيرة في دور الانعقاد" ليدعمني ويقف إلى جانبي، كما أتوجه بالشكر كذلك لكل من هاتفني ليدعمني من القامات الرفيعة الكويتية التي أثلجت صدري بما عبرت به عن كل التقدير لما أكتب ولو اختلفت معي في الرأي، بالرغم من تصويتها على القانون في مجلس الأمة، وأتوجه بالشكر أيضا إلى من هاجمني لأنه لا يحقّ لوافد مثلي أن يتناول بالنقد والتحليل قوانين البلد الذي وفد إليه، لأنني مدين له بتوضيح، وهو أن هذا النقد من صميم عملي في الكويت ورسالتي التي جئت إلى الكويت لأؤديها، وقد أداها قبلي أساتذتي الأجلاء الذين وفدوا من مصر أيضا، وعلى رأسهم الراحلون د. عبدالرزاق السنهوري والدكتور وحيد رأفت والدكتور عثمان خليل، والمستشار مصطفى كامل إسماعيل، وغيرهم من أساتذة أجلاء لا يتسع المقال الصحافي حتى لذكر أسمائهم، فضلا عن مناقبهم وإنجازاتهم في نهضة البلد الدستورية والتشريعية، وفي مسيرة الديمقراطية، وأتوجه بالشكر كذلك لأساتذة القانون والمستشارين الذين هاتفوني ليشاركوني الرأي فيما كتبت.

الدستور وثيقة تقدمية لحقوق الإنسان

هذه هي الكويت التي أحببت، فحرية الرأي والرأي الآخر، هي التي يستمد منها قلمي الجرأة والمصداقية اللتين أكتب بهما داخل الجدران المغلقة وخارجها في مقالات ودراسات وأبحاث على صفحات الصحف أو في المجلات العلمية أو في مؤلفاتي، وأتناول فيها بالتحليل والنقد النظام الدستوري في الكويت والممارسات البرلمانية، في ظل حرية الرأي والبحث العلمي التي كفلتها المادة 36 من الدستور، وهي تقرر وبالحرف الواحد أن "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة" وأن "لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما".

فالدستور بنص صريح، لا غموض فيه ولا إبهام، يقرر أن التعبير عن الرأي ونشره هو حق دستوري لكل إنسان يقيم على هذه الأرض الطيبة، وليس قصرا على المواطن، ولا اجتهاد مع صراحة النص.

ولعل من أسباب انبهاري بهذا الدستور أنني عكفت منذ قدمت إلى الكويت على البحث المستفيض فيه، دون خوف أو وجل، وأنه وثيقة تقدمية لحقوق الإنسان، بل إنه كان سابقا لعصره عندما رسخ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تقرر الأمم المتحدة هذه الحقوق في اتفاقية دولية عام 1964.

مصر قلب العروبة

واستعدت من الذاكرة، في هذا السياق، موقف التسامح مع الرأي الآخر، الذي وقفته الكويت مني وأنا أقيم على أرضها، وأعمل مستشارا بها وفي جهة حكومية، عندما انتقدت القرارات التي أصدرها مؤتمر بغداد في عام 1977، في مقال نشر لي على صفحات الأهرام المصرية في عددها الصادر في 8/ 5/ 1979 وأعادت جريدة "السياسة" الكويتية نشره في عددها الصادر في 23/ 7/ 1979، والذي كتبته انتصافا لمصر وعروبتها، وكان من بين ما قلته في هذا المقال ما يلي:

إن هذا المؤتمر يختلف عن سوابقه من مؤتمرات لعدد من الأسباب منها:

- أن مصر قلب العروبة النابض بالحياة قد غابت عنه، فغاب عنه دورها الذي لا ينكر في كل قضايا المصير العربي.

- أن هذا المؤتمر لا يجتمع لعقاب إسرائيل، ذلك الجسم الغريب الذي غرسه الاستعمار والإمبريالية في وطننا العربي أو ليحرر الأرض التي اغتصبتها.

لا لعقاب مصر

وقلت في هذا المقال إن هذا الاجتماع خصص لعقاب مصر التي ناضلت عبر تاريخها الطويل من أجل هذه الأمة العربية، ومن أجل ترابها وتراثها وحضارتها، ومن أجل تحرير كل شبر في الأرض العربية، من الجزائر إلى تونس إلى عدن إلى الكويت إلى دولة الإمارات، وإلى كل دولة تحررت واستقلت بعد إنشاء جامعة الدول العربية فانضمت إلى عضويتها.

إنهم متفقون على مبدأ العقاب ولكنهم مختلفون على حدوده، ولعل بعضهم يعلل هذه العقوبات بأنه ليس من شأنها أن تصيب الشعب العربي في مصر، وأن العقاب يراد إنزاله فقط بالنظام المصري.

ذلك أن هذا القول وهم عريض وضرب من الخيال البعيد عن الواقع، لا يقبله المنطق في علوم السياسة أو العلاقات الدولية أو القانون أو الاقتصاد أو الاجتماع، وأن كل العلاقات التي يطرح قطعها عن النظام المصري هي في حقيقتها علاقات مع الشعب العربي في مصر.

طعنات الأشقاء

واستطردت في المقال سالف الذكر إلى القول بأنه حتى لو تمخض الجبل فولد فأرا، وقيل إن كل مقاطعة لمصر سوف تتم بالضرورة، دون أن تمس مصريا من الذين يعملون في أنحاء الوطن العربي، هي زيف باطل لا يقبله حتى هؤلاء المصريون الذين ينعمون بالمرتبات المجزية وببعض النعم التي تعيشها شعوب عربية أخرى، ذلك أن العقاب سوف يطولهم في النهاية باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الشعب العربي في مصر، قد تركوا فيها أسرهم وأولادهم ومدخراتهم وذكرياتهم.

إن الحرب الأهلية الطاحنة التي أنهكت لبنان الشقيق واستنفدت جزءا من طاقة الثورة الفلسطينية، يجري الإعداد لاستئنافها للقضاء نهائيا على هذه الثورة ولتصفية القضية الفلسطينية، فماذا أعدوا لهذا كله بفرض غياب أحد الفرقاء في الوطن العربي الواحد، إن القرار الوحيد في هذه الظروف هو إعادة تنظيم الصفوف وإعادة تنظيم الأدوار والجبهات وبناء الاستراتيجية السياسية والاقتصادية العسكرية الجديدة في غياب أحد الفرقاء الذي أثخنته الجراح من طعنات الأعداء... ولم يبق إلا أن يتلقى كذلك طعنات الأشقاء.

وكانت المؤامرة التي حاكها صدام حسين لعزل مصر، هي مقدمة لأحلامه التوسعية بالانقضاض على دول الخليج بدءا بالعدوان العراقي الغاشم على الكويت.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

لعل من أسباب انبهاري بدستور الكويت أنه وثيقة تقدمية لحقوق الإنسان وسابق لعصره بترسيخ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
back to top