«الاتفاق النووي»... من الحرب إلى «الاحتواء والردع»

نشر في 17-07-2016
آخر تحديث 17-07-2016 | 00:07
سيؤدي اعتماد سياسة «الاحتواء والردع»، التي يبدو أن واشنطن قررتها إزاء الملف النووي الإيراني، إلى وضع شبيه بالسياسات التي تتخذها واشنطن مع كل من روسيا الاتحادية، وكوريا الشمالية.
 ياسر عبد العزيز يوم الخميس الماضي، مر عام كامل على توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الست؛ وهو اتفاق يقول عرابوه إنه "عمل يقربنا من السلام"، فيما يرى كثيرون أنه ليس أكثر من وسيلة تؤجل الصدام، ولكن لا تقضي على ذرائعه.

احتفت وسائل إعلام دولية عديدة بالاتفاق على مدى الأيام القليلة الماضية، عبر نشر صور وذكريات عن "ماراثون المفاوضات" الذي أفضى إلى توقيعه، ومن بين ما نُشر في هذا الصدد تقرير لـ"بي بي سي"، نقل عن كبيرة المفاوضين الأميركيين ويندي شيرمان قولها إن وزير الخارجية جون كيري علق في المؤتمر الصحافي، الذي عقد يوم 14 يوليو 2015، بعد التوقيع مباشرة، قائلاً: "عندما عدت من حرب فيتنام قطعت على نفسي عهداً بعدم تكرار أي حرب مرة أخرى".

يبدو أن واشنطن خاضت تلك المفاوضات وفي ذهنها ذلك الانطباع الذي عبر عنه كيري... ولم لا؟ وقد تلا حرب فيتنام حربان إحداهما في العراق، والأخرى في أفغانستان، وقد تمخضتا عن نتائج مخيبة لآمال الأميركيين والعالم.

عشية توقيع الاتفاق لم يكن أمام الولايات المتحدة سوى خيارين للتعامل مع الإشكال الإيراني؛ أولهما خيار الحرب، وثانيهما خيار عدم الحرب. لأسباب عديدة اختارت واشنطن الخيار الثاني، وعلى رأس تلك الأسباب بالطبع "الخوف من تكاليف القتال الموجعة".

وقد تبلور خيار واشنطن إزاء ذلك الخيار في القبول بحل يرجئ تطوير السلاح النووي الإيراني، مقابل إعطاء امتيازات لطهران، على أن يكون ذلك وفق اتفاق، يؤّمن فترة زمنية من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة، يمكن خلالها بناء "آليات احتواء"، مشابهة لتلك التي سبق أن بنتها الولايات المتحدة مع دول نووية من خارج المعسكر الغربي.

لقد اختارت واشنطن طريق "اللاحرب"، وستشرع، مع حلفائها، في بناء نموذج ردع واحتواء مشابه لذلك الذي بنته مع الاتحاد السوفياتي السابق قبل تحلله.

كانت واشنطن قد اعتمدت "سياسة الاحتواء المزدوج" مع كل من إيران والعراق، في الفترة التي أعقبت الثورة الإسلامية في الأولى، وتزامنت مع الصعود القوي لنظام صدام حسين في الثانية، طوال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي. وبسبب خروج العراق من الحسابات، لم يعد أمام واشنطن، التي لن تحارب إيران، سوى أن تغير سياسة الاحتواء المزدوج، وتبحث عن حل بديل.

لقد وجدت واشنطن، وحلفاؤها الخمسة في مجموعة "5+1"، أن تطوير سياسة "ردع واحتواء" للجمهورية الإسلامية يمكن أن يكون حلاً مقبولاً، سواء في فترة ما قبل تطوير السلاح النووي، أو بعد تطويره.

ستطور واشنطن، وفق هذا التحليل، نظام ردع مشابه لذلك الذي تم تبنيه تجاه موسكو وقت أن كانت عاصمة للإمبراطورية السوفياتية، ثم معها حين تحولت عاصمة دولة ذات قدرة متوسطة تحاول استعادة مكانتها في العالم بعنت وتحسب شديدين.

يعتقد البعض أن ثمة حفاوة واضحة بالاتفاقية النووية، وأن معارضتها محدودة في العالم الغربي، وأن إسرائيل وحدها هي التي تندد بها وتحذر من مخاطرها، لكن هذا الاعتقاد خاطئ.

هناك الكثير من المسؤولين والفعاليات السياسية التي تحذر من مخاطر تلك الاتفاقية، استناداً إلى أنها منحت إيران الحق في الاستمرار في برنامجها النووي السلمي المفترض، عبر رفع القيود الرئيسية المفروضة عليه، مما يسمح لها بامتلاك عدد غير محدود من أجهزة الطرد المركزي، للقيام بتخصيب غير مقيد لليورانيوم، بشكل مشروع.

سيمنح الاتفاق إيران فرصة لتأهيل نفسها سياسياً ودبلوماسياً، وسيتم الإفراج عن ودائعها المجمدة، والتي تراوح ما بين 100 إلى 120 مليار دولار، كما سيتم رفع العقوبات المفروضة على وارداتها في قطاعات حساسة، ولن يتم في المقابل إنهاء فرص تطويرها سلاحاً نووياً.

لهذه الأسباب هدد مرشد الجمهورية الإسلامية، في يونيو الماضي، بإحراق الاتفاق إذا تم التراجع عنه من جانب واشنطن، لكنه أكد في الوقت ذاته التزام بلاده بتنفيذه.

وفي الوقت الذي كان خامنئي يؤكد فيه هذا المعنى، كان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف يبحث مع نظيره الأميركي جون كيري، في أوسلو، سبل تفعيل الاتفاق ومراحله التنفيذية، فيما واكبت وسائل الإعلام الإيرانية المحسوبة على النظام تلك المحادثات بتعليقات إيجابية مستبشرة. سيؤدي اعتماد سياسة "الاحتواء والردع"، التي يبدو أن واشنطن قررتها إزاء الملف النووي الإيراني، إلى وضع شبيه بالسياسات التي تتخذها واشنطن مع كل من روسيا الاتحادية، وكوريا الشمالية.

وقد استند قرار واشنطن، إزاء توقيع اتفاق يوليو 2015، إلى أن التكاليف التي تدفعها لقاء التعاطي مع الترسانات النووية لروسيا وكوريا الشمالية أقل من تلك التي يمكن أن تدفعها في حال شنت حربا ضد طهران، أو صعّدت الموقف الدولي إزاءها، نحو حل يفكك المشروع النووي، أو يفقده القدرة على التطور عسكرياً.

لكن دول الخليج العربية، ودولا أخرى في الإقليم، ستدفع أثماناً بسبب هذا الاتفاق، الذي لن يتوقف عن إنتاج المخاطر.

من بين تلك الأثمان، أن المنطقة ستُجر إلى سباق تسلح نووي، في حال وصلت طهران إلى غايتها المفترضة، وهو أمر سينشئ أوضاعاً متوترة وقابلة للانفجار أكثر من أي وقت مضى.

وسيتم إنهاء فرص تفعيل معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، كما ستُحرم الدول العربية من الذرائع المناسبة لمواصلة الضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي، من أجل توقيع إسرائيل على المعاهدة.

ستكون إيران أكثر قدرة، بعد زوال ضغوط العزلة والعقوبات، على تأدية أدوار توسعية أكثر من تلك التي مارستها على مدى العقود الثلاثة الماضية، وستتعزز سلوكياتها العدائية، وستتوافر لها الموارد اللازمة لدعم الميليشيات المتحالفة معها في أكثر من بلد عربي، بشكل سيلقي بمزيد من الأعباء على الاستقرار والأمن في المنطقة.

الأخطر من ذلك، أن اقتراب إيران من تطوير سلاح نووي يمكن أن يغري إسرائيل بشن ضربات عسكرية ضدها، وهو أمر ستكون له عواقب وخيمة على الأمن والسلم العالميين والإقليميين.

الحرب لم تكن الخيار الأفضل لمواجهة خطر البرنامج النووي الإيراني... وكذلك سياسة "الاحتواء والردع" المفترضة.

* كاتب مصري

دول الخليج العربية ودول أخرى في الإقليم ستدفع أثماناً بسبب الاتفاق النووي الإيراني
back to top