تركيا: فشل «الانقلاب الخامس»

● حملة لتطهير الجيش وعزل مئات القضاة
● مقتل 265 شخصاً
● الكويت تدعم السلطات الشرعية

نشر في 17-07-2016
آخر تحديث 17-07-2016 | 00:15
أتراك في ساحة تقسيم وسط إسطنبول أمس (رويترز)
أتراك في ساحة تقسيم وسط إسطنبول أمس (رويترز)
نجا الرئيس التركي الإسلامي المحافظ رجب طيب إردوغان، من انقلاب عسكري، هو الخامس في تاريخ الجمهورية التركية الحديث، ليبدأ على الفور حملة لتطهير الجيش والقضاء من العناصر المناهضة له، في وقت أثارت حالة اللا استقرار في تركيا مخاوف كبيرة في الإقليم الذي يعاني أصلاً أزمات بسبب الانهيار الذي أصاب دولاً عدة مثل سورية والعراق.

وتمكّن إردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، خلال ساعات قليلة، من استعادة السيطرة على المؤسسات، بعدما وقف الشعب وأحزاب المعارضة وقيادة الجيش إلى جانب الديمقراطية والدستورية ضد الانقلاب.

وشيئاً فشيئاً بدأت الأمور تعود إلى نصابها في مدينتي أنقرة وإسطنبول، بعد مقتل أكثر من 265 شخصاً، في مواجهات بين الشرطة وأنصار إردوغان من جهة، والعناصر العسكرية المتمردة، التي وجدت نفسها محاصرة ومتروكة إلى مصيرها من جهة أخرى، ما دفعها إلى إيثار الاستسلام.

اقرأ أيضا

وتوعد إردوغان أمس بتطهير الجيش معتبراً، في كلمة بين أنصاره في مطار إسطنبول، أن هذا الانقلاب جاء «هدية من الله»، في حين اعتقلت السلطات أكثر من 2000 عسكري، بينهم أصحاب رتب، كما أقالت ضباطاً رفيعي المستوى، بينهم المتورطون في الانقلاب، بينما تم عزل 2750 قاضياً، ضمنهم خمسة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاة، إلى جانب توقيف 10 من قضاة المحكمة الإدارية، وجارٍ البحث عن 140 من أعضاء محكمة النقض.

دولياً، وجدت السلطات التركية المنتخبة دعماً واسعاً، إذ أعلنت الكويت دعمها للسلطات الشرعية، كما تعهدت واشنطن بالمشاركة في مساعدة أنقرة على التحقيق في الانقلاب، مطالبة إياها بأدلة على تورط الداعية الإسلامي فتح الله غولن فيه، وذلك بعد تحذير قوي اللهجة من رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم، حيث اتهم إردوغان ويلدريم أنصار غولن بالوقوف وراء الانقلاب، الأمر الذي نفاه الداعية المقيم في الولايات المتحدة.

وعاد الانتظام إلى مطار إسطنبول ثالث أكبر مطار في أوروبا، بعد تأجيل مئات الرحلات، بينما لبى عشرات الآلاف من الأتراك نداء إردوغان للاحتشاد في الساحات، والذي تصمن تحذيراً من إمكانية وقوع انقلاب جديد في أي لحظة.

إردوغان بعد الانقلاب... أقوى

بخواتيمها تُفهَم الأمور، هكذا يمكن فهم محاولة الانقلاب في تركيا؛ فرغم النتائج السلبية التي لابد أن تنعكس على مكانة تركيا السياسية والاقتصادية بسبب هذه المحاولة، فإن الأكثر ربحاً هو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه من بعده.

فبعد 11 عاماً من الحكم الناجح من جميع النواحي، قرر الزعيم التركي إردوغان إجراء تعديلات على نظام الحكم في بلاده، حيث بدأ بإقصاء عدد من جنرالات الجيش الأقوياء بعد إحالتهم إلى القضاء بتهم التخطيط للانقلاب على الحكم، وقرر تغيير نظام الحكم إلى رئاسي بدلاً من برلماني، وبعد وصوله إلى كرسي الرئاسة في 10 أغسطس 2014، لم يبق له سوى إجراء تعديل دستوري يمنح الرئيس صلاحيات أكثر.

هذا المشروع لم تقبله الأحزاب المعارضة، والعلمانية منها على وجه التحديد، لأنها رأت فيه انحرافاً عن الأسس الأتاتوركية التي بنيت عليها تركيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.

وجاءت نتائج الانتخابات البرلمانية في يونيو 2015 ضد مصلحة ذلك المشروع، حيث لم يحصل حزب الرئيس على الأغلبية الكافية لإجراء التعديل الدستوري، لذا تمت الدعوة إلى انتخابات جديدة جاءت في أجواء من الخوف والقلق من عودة الأعمال العنيفة لحزب العمال الكردستاني، في وقت ذهب البعض إلى أن التوتر مع هذا الحزب كان مفتعلاً من الحكومة والاستخبارات التركية لإشاعة أجواء الخوف وبالتالي التصويت لمصلحة حزب العدالة والتنمية، وهذا ما حدث بالفعل، إذ حصل حزب العدالة والتنمية في انتخابات يوليو 2016 على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة من دون شراكة أحزاب أخرى، وبدأ بتنفيذ المشروع الأكبر خطوة خطوة.

وأمام هذا الواقع، جاءت محاولة الانقلاب العسكري، الذي وجه الرئيس إردوغان الاتهام بشأنه إلى خصمه فتح الله غولن ومن يتبعه من جنرالات الجيش، في محاولة لاستخدام النص الدستوري الذي يعطي الجيش حق تولي السلطة إذا ما انحرفت الحكومة عن مبادئ العلمانية والديمقراطية. ولم يكن أمام الحاكم المنتخب سوى الاعتماد على ناخبيه ليتصدوا لآلات العسكر بأيديهم وأجسامهم، كما استعان بقوات الاستخبارات والأمن، وبمن لم يكن طرفاً في الانقلاب، ليقضي على المحاولة الانقلابية في حدود 6 ساعات.

وبعد ساعات قليلة من استعادة السلطة عمد إلى استعجال تنفيذ مشروعه الذي لم يغب عن باله؛ فبدأ باعتقال الضباط والأفراد المتورطين في المحاولة الانقلابية ثم أقصى 2700 قاض (غير معروفة علاقتهم بما جرى وسبب إقصائهم)، واستمر في تلويث سمعة خصمه الداعية غولن الذي يحمل أفكاراً دينية ليست بعيدة عن أفكار الرئيس، إلا أنه يشكل إزعاجاً كبيراً رغم وجوده في المنفى في أميركا، فقد أصر إردوغان على ربط غولن بالانقلاب منذ الساعات الأولى رغم التصريحات المتكررة من الأخير بنفي علاقاته بما يحدث حتى قبل حسم الأمور بشكل نهائي، كما وجد إردوغان نفسه الآن وجميع الأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان تقف إلى جانبه.

في عبارة واحدة: إردوغان بعد المحاولة الانقلابية أقوى منه قبلها.

back to top