بعد أن حجبت الحكومة التركية برئاسة رجب طيب اردوغان تويتر في 2014، امرت المحكمة الدستورية آنذاك بابطال القرار لمخالفته الدستور، ليعود اردوغان لاستخدام نفس البرنامج خلال أزمة الانقلاب العسكري، وقال معلقاً خلالها على الحكمة «علينا بالتاكيد تنفيذ حكم المحكمة الدستورية لكنني لا أحترمه، لا أحترم هذا القرار».

Ad

كانت محاولة انقلاب غريبة تنتمي للقرن العشرين وانهزمت أمام تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين وقوة الشعب، فعندما حاول «مجلس سلام» صممه عناصر من الجيش لأنفسهم الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته مساء أمس بدا أن الجنرالات والضباط المتمردين يقاتلون بعقلية حرب سابقة.

ويرى غاريث جينكينز وهو باحث وكاتب في الشؤون العسكرية مقره اسطنبول أنه «من الواضح أن هذا الانقلاب تم التخطيط له جيداً جداً لكن باستخدام دليل تكتيكات يعود للسبعينيات».. كان الأمر أشبه بما حدث في تشيلي في عام 1973 أو أنقرة في عام 1980 أكثر منه أمر يحدث في دولة غربية حديثة عام 2016.

وقام المتمردون بخطوتهم عندما كان الرئيس بعيداً عن المدينة في عطلة في أحد المنتجعات، وسيطروا على المطار الرئيسي وأغلقوا جسراً فوق مضيق البوسفور في اسطنبول وأرسلوا دبابات للبرلمان ولأنقرة وللسيطرة على مفارق الطرق الرئيسية وأذاعوا بياناً على محطة TRT الرسمية أعلنوا فيه فرض حظر التجوال وأمروا الناس بالبقاء في منازلهم، لكنهم لم يعتقلوا أياً من قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم أو إغلاق محطات التلفزيون الخاصة أو اتصالات الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي مما مكن إردوغان ومساعديه من دعوة مؤيديهم بسرعة للنزول إلى الشوارع لمقاومة الانقلاب.

وقال المحلل التركي سنان أولغن من مركز كارنيغي أوروبا البحثي إن أكبر عائق واجههم هو أنهم تصرفوا خارج تسلسل القيادة العسكرية وبالتالي افتقروا للموارد الكافية للسيطرة على مواقع السلطة الرئيسية.

ورأى أولغن وهو أيضاً دبلوماسي تركي سابق أنّ «مخططهم أيضاً لم يكن فعالاً حيث فشلوا في البداية في السيطرة على أي منشآت عسكرية في تركيا أو أي من القيادات السياسية».

«فيس تايم» و «تويتر»

وقد استخدم أردوغان، الذي اتهم مراراً بالتدخل في وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزيون، تكنولوجيا الاتصالات الحديثة بفطنة لإيصال رسالته للأتراك عددهم نحو 80 مليوناً ليتفوق على تحرك المتآمرين.

ومن خلال تطبيق «فيس تايم» وهو تطبيق فيديو على الهاتف الذكي وجه أردوغان رسالة حية على الهواء على محطة «سي أن أن ترك»، وقال أردوغان في رسالته: «دعونا نحتشد كأمة في الميادين… أعتقد أننا سنتخلص من هذا الاحتلال الذي وقع في فترة وجيزة، أنا أدعو شعبنا الآن للنزول للميادين وسنعطيهم الرد الضروري».

وقال الرئيس التركي إن المتمردين حاولوا تفجير الفندق الذي كان مقيماً فيه في منتجع مرمريس جنوب غرب البلاد… كما دار تبادل لإطلاق النار هناك بين الجنود والشرطة الموالية للحكومة بعد مغادرته.

وبعد 20 دقيقة من إذاعة بيان الانقلاب بدأ رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم باستخدام «تويتر» لإدانة الانقلاب وتوجيه رسائل للأتراك تؤكد أن القيادة العليا للقوات المسلحة لم تساند التمرد.

وحذا المسؤولون الأتراك بذلك حذو العديد من الشخصيات الثورية التي استخدمت تقنيات الاتصال الحديثة وقتها ليكونوا أوسع حيلة من أعدائهم، فمن القس البروتستانتي مارتن لوثر الذي استخدم الصحف المطبوعة في عام 1517 لنشر أطروحاته التي تنتقد الكنيسة الكاثوليكية وصولاً إلى آية الله روح الله الخميني الذي سجل أشرطة صوتية نسخت ووزعت في أنحاء إيران لهزيمة الشاه عام 1979.

وسائل التواصل وقمع الحكومات

وجعلت وسائل التواصل الاجتماعي من الصعب على الحكومات حجب الأخبار وأصوات الاحتجاج، ففي إيران جرى تصوير احتجاجات «الثورة الخضراء» ضد مزاعم تزوير الانتخابات الرئاسية في 2013 على الهواتف المحمولة وانتشرت على «يوتيوب» و «فيسبوك» و «تويتر».

وفي تركيا تمكن مساعدو إردوغان من إبلاغ وسائل الإعلام التركية والعالمية بأن الرئيس الذي يتولى السلطة منذ 2003 آمن ولم يعتقل حتى في الوقت الذي كان يستولى فيه جنود على محطة TRT التلفزيونية.

عبدالله غول سلف إردوغان في المنصب تطبيق «فيس تايم» لإعلان تحديه لمدبري الانقلاب على محطة «سي.إن.إن تورك» وتحدث رئيس الوزراء السابق احمد داود أوغلو إلى محطات تلفزيونية عبر الهاتف ليصف محاولة الاستيلاء على السلطة بالفشل.

والتناقض صارخ مع محاولة انقلاب باءت بالفشل في النهاية ضد ميخائيل غورباتشوف الرئيس السوفياتي السابق عام 1991 حين لم يجد أمامه سوى الاستماع للخدمة العالمية لراديو هيئة الإذاعة البريطانية في منزله الخاص بشبه جزيرة القرم من دون قدرة على التدخل مع انكشاف الأحداث في موسكو.

ونجح مدبرو الانقلاب السوفيات في الاستيلاء على السلطة ثلاثة أيام وحصلوا على اعتراف مخجل من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران قبل أن يحشد الزعيم الروسي بوريس يلتسن الجماهير ضد الانقلاب ويقف على ظهر دبابة في موسكو ليخطب في الناس.

وشابهت الأحداث التركية محاولة الانقلاب ضد الديمقراطية الناشئة في اسبانيا عام 1981 التي دبرها مجموعة من الضباط المتمردين الذين اقتحموا البرلمان لكنهم فشلوا في الفوز بدعم عسكري كاف بعدما خطب الملك خوان كارلوس في شعبه بالزي العسكري وحث الناس على تأييد الدستور.

وكما حدث في الانقلاب السوفياتي الفاشل اعتمد زعماء الانقلاب التركي على مجندين قليلي الخبرة ربما لم يبلغوا بالحقيقة بشأن مهمتهم أو لم يتوقعوا مواجهة مقاومة شعبية واختفوا سريعاً أو استسلموا.

إسكات الإعلام

وقد سارع زعماء أحزاب المعارضة الثلاثة بإدانة الانقلاب وعجت وسائل التواصل الاجتماعي بدعوات للتظاهر ضده، وقام الانقلابيون بمحاولة غير متقنة لإسكات محطة «سي.إن.إن ترك» المملوكة لشركة «تيرنر إنترتينمنت سيستمز» الأميركية و«دوغان شاهين» القابضة.

وحطت طائرة هليكوبتر تقل مجندين وضابطاً واحداً في المحطة لكن قيل لهم إنه من المستحيل قطع إشارة البث، وأمر الجنود بإخلاء مؤقت للاستوديو وعندما عادت المحطة للبث وصفت المذيعة نيفسين مينغو والمدير العام إردوغان اكتاش مزاج الجنود الشبان بالقول: «هؤلاء الجنود الشباب لم يكن لديهم سوى الخوف في أعينهم ولا أي دلالة على الولاء أو الإصرار».

وأضافت: «طلبوا منا قطع البث وقلنا إنه لا يمكن فعل ذلك، ولم يعرفوا كيف يقومون بذلك لذلك ظل الاستوديو الفارغ على الهواء طوال الوقت إلى إن استعدنا التحكم».

وخلال الانقطاع جاب رجل يرتدي قميصاً وردي اللون الاستوديو وهو يصيح قائلاً «الله أكبر» في إظهار دعمه لإردوغان.

واستخدم رجال الدين المؤيدون لإردوغان ولأول مرة مكبرات الصوت في المساجد لحث الأتراك على النزول للشوارع.