فجر يوم جديد: عسل أبيض

نشر في 18-07-2016
آخر تحديث 18-07-2016 | 00:00
 مجدي الطيب تفتق ذهن كتّاب السينما المصرية، في الفترة الأخيرة، عن حيلة جهنمية لاستباحة حقوق الملكية الفكرية، والهروب من الاعتراف بأن ثمة جريمة في السطو على جهود الغير، بأن اكتفوا بالتنويه، عبر جملة حوار أو صورة ضمن الأحداث، إلى المصدر الأجنبي الذي تعرض للسطو، في محاولة لإبراء الذمة، والتخلص من الاتهام، وهو الشيء الذي تكرر في أفلامنا المقتبسة، لكنه تجسد بشكل صارخ في فيلم {عسل أبيض}، الذي طاردته الاتهامات بالسطو على الفيلم الأميركي الكوميدي الشهير 1994 Baby’s Day Out، تأليف جون هيوز وإخراج باتريك جونسون، فما كان من مؤلفه محسن رزق، بالاتفاق مع المخرج حسام الجوهري والشركة المنتجة {فيلم أوف إيجيبت} (أيمن عبد الباسط وأحمد عبد الباسط)، سوى أن أقحموا مشهداً للطفل {بودي} - يوسف أحمد فؤاد – ابن رجل الأعمال {مراد الحناوي} - محمد مرزبان- وهو يشاهد فيلماً يتبين أنه Baby’s Day Out!

في الاتجاه نفسه أدخل المؤلف بعض التغييرات التي استهدفت نفي تهمة السطو على الفيلم الأميركي، مثلما فعل عندما أجهض محاولة اختطاف الطفل بواسطة العصابة، كما رأينا في الفيلم الأجنبي، وألقى به بالمصادفة في حقيبة {علا} - سامح حسين – الذي دخل قصر العائلة الثرية لتركيب {الدش} بالإنابة عن {عم عمارة} - لطفي لبيب – وهو التغيير الذي فضح قلة حيلة المؤلف والمخرج، فالبطولة انتقلت من الطفل إلى سامح حسين، الذي أصبح مُستهدفاً بواسطة عصابة {الانتريه الأحمر} بزعامة بيومي فؤاد وعضوية: دينا محسن، إبرام سمير، حامد الشراب ومحمد ثروت، وتلاشت الخدع، التي كان لها وقع السحر على جمهور الفيلم الأميركي، ورفعت من رصيد ومصداقية الفيلم والطفل كثيراً، بينما تسببت الإمكانات الفقيرة للشركة المصرية المنتجة في ضياع بريق وتأثير طفل {عسل أبيض}، ولم يتبق منه سوى بشاشته، وجمال محياه، وبدا الاهتمام محصوراً في القصة التقليدية للبطل الصعلوك – سامح حسين - الذي يهيم حباً بجارته {نور} - ميريهان حسين – مخرجة الإعلانات التي لا تشعر به، كونها ابنة اللواء السابق {مختار الجهيني} - أحمد حلاوة – ولأن الفارق الطبقي والثقافي كبير بينهما، ومع هذا، وكما جرت العادة، تصبح النهاية السعيدة هي الحل!

في {عسل أبيض} يتحول {الفارص} إلى بلاهة وسذاجة واستظراف، وينتهي إلى ثقل ظل وسماجة ومبالغة ممجوجة، خصوصاً من جانب {عصابة الانتريه الأحمر}، فالسيناريو الذي حاول صاحبه التنصل من السيناريو الأميركي، وليته لم يخرج عنه، اتسم برداءة وبشاعة، بعدما اختفت المواقف الدرامية، باستثناء إيهام المتابع بأن اللصوص يطاردون الشرطة، لتفسح مكاناً لطوفان من {الاسكتشات} الهزلية، ابتداء من الدعابة الغليظة لموظف السجل المدني الذي جعل اسم {علاء} يتحول إلى {علا}، والمشهد الممسوخ للصعلوك الذي راح يخطب ابنة اللواء السابق، وضابط الشرطة القصير الغبي {أشرف} - كريم عفيفي – الذي يصطحب أمه – ليلى عز العرب – إلى أوكار المجرمين لتراه وهو يقبض عليهم، ومنتج الإعلانات {بصيلي} - إسماعيل فرغلي – الذي يُصبح فريسة للعصابة والشرطة معاً، ولولا القبول الذي يتمتع به إبراهيم أبو ليلة وياسر الطوبجي لما تركت شخصيتا {شوكت مدرب الجيم} و{سائق التاكسي} أي بصمة تُذكر!

العجيب أن الفيلم شهد محاولة ناجحة لكسر الإيهام، وكذلك اللعب على وتر {حذاء السندريلا}، وتميز الديكور (أسامة الشناوي) بالإبهار، وبزغت الموسيقى (أحمد المؤمن) بدرجة ما، فضلاً عن توظيف الصورة (مدير التصوير محمد مصطفى ) عبر الإضاءة والألوان، بشكل صنع إبهارا بصرياً (الملاهي) لكن ذلك لم يستمر، وتراجعت لغة المخرج حسام الجوهري سريعاً، ليطغى الهزل، والمطاردات العبثية (مونتاج عمرو عاصم )، ووسط الصخب والضجيج تراجع الأداء التمثيلي بشكل واضح، وشارك ممثلون من دون أن يتركوا أية بصمة أو تأثير (أحمد راتب، سليمان عيد ومحمد مرزبان)، وكررت شيماء سيف دورها الذي جسدته في فيلم {نوارة}، أما سامح حسين فيتحمل وزر التجربة بالكامل، سواء بسبب اختياره السيئ للسيناريو الرديء والضعيف، أو لأدائه الكسيح لشخصية {علا}، وتكراره الذي يصل إلى حد التطابق، في النبرة والفعل وردة الفعل، مع أدواره السابقة، من دون أي اجتهاد يُذكر، ولعل تعاونه الدائم والمؤلف محسن رزق يُعد سبباً رئيساً في هذا الجمود والتكرار!

{هو عسل .. وأنت أبيض} قالها لطفي لبيب أو {عم عمارة} للبطل سامح حسين أو {علا}، ورغم ركاكة وسذاجة الجملة، إلا أن المؤلف رآها الأجدر بأن تصبح عنواناً للفيلم، ربما لاستثمار نجاح فيلم {عسل أسود}، أو تكريس للبلاهة التي خيمت على أجواء الفيلم الذي لم يكتف بسطحيته، وإنما تظاهر زيفاً بأنه يتبنى رسالة تدعو إلى الثقة بالنفس، والمثابرة، وعدم اليأس، والتفاؤل بأن {النجاح آت لا ريب}، بدليل ما جرى للفاشل {علا}، الذي أصبحت مخرجة الإعلانات من قسمته ونصيبه!

back to top