الدعاية للعقيدة والحزب في أولمبياد برلين 1936

نظراً إلى موجة العنصرية، التي كانت سائدة في ألمانيا، لفت عدد كبير من المؤرخين إلى أن برلين عام 1936، كانت آخر مكان يمكن أن يستضيف الألعاب الأولمبية.

نشر في 18-07-2016
آخر تحديث 18-07-2016 | 00:02
لفت عدد كبير من المؤرخين إلى أن برلين عام 1936، كانت آخر مكان يمكن أن يستضيف الألعاب الأولمبية، نظراً إلى موجة العنصرية، التي كانت سائدة في ألمانيا، وهي طبعا عكس المثل الأولمبية ومبادئها السامية.

وأقرت اللجنة الأولمبية الدولية منح برلين تنظيم ألعاب الأولمبياد الـ11 عام 1932، لكن الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر تسلم مقاليد حكم ألمانيا العام التالي... واتخذ من إقامة الألعاب عنصر دعاية مهماً ودعماً وإلهاباً لحماسة الشعب وتقوية لروح الاعتزاز بالعنصر الآري لدى أفراده، ما جعلها تفقد للمرة الأولى غايتها المثلى وتحيد عن هدفها الحقيقي، الذي أراده باعثها البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان، وهو دعم روح الصداقة بين الرياضيين المشاركين لنشر السلام العالمي. وللمصادفة، فان دو كوبرتان توفي في العام التالي لاختتام الأولمبياد الـ11، ودفن قلبه في أولمبيا (اليونان).

يذكر أن دولاً عدة سعت إلى نقل الألعاب إلى مدينة برشلونة الإسبانية، التي زاحمت برلين عند الترشح، غير أن الحكم الفاشي، الذي ساد إسبانيا وقتذاك، عمل على أن تبقى المنافسات في برلين، وهي أقيمت بين 1 و16 أغسطس بمشاركة 3963 رياضياً، بينهم 331 لاعبة من 49 دولة.

وحضرت للمرة الأولى بعثات من أفغانستان وجزيرة برمودا وبوليفيا وكوستاريكا وليختنشتاين وبيرو.

وشمل برنامج المسابقات كرة السلة والملاكمة والمصارعة والدراجات وكرة الماء وكرة اليد واليخوت والسباحة والغطس والبولو والخماسي الحديث والرماية ورفع الأثقال والجمباز والتجذيف والفروسية والمبارزة والهوكي على العشب وكرة القدم وألعاب القوى... وأصبحت كرتا السلة واليد للمرة الأولى ضمن البرنامج الرسمي.

تصدر ألمانيا

وتصدرت "القوة الألمانية" ترتيب الميداليات بـ33 ذهبية و26 فضية و30 برونزية، أمام الولايات المتحدة (24-20-12) والمجر (10-1-5)... لكن نجم الدورة التي حظيت بحضور مكثف (نحو ثلاثة ملايين شخص) لم يكن ألمانيا إنما جيسي أوينز (23 عاماً) القادم من آلاباما في الجنوب الأميركي الذي انتزع أربع ذهبيات في سباقات 100 م و200 م والتتابع 4 مرات 100 م والوثب الطويل.

ومنح الرباعون المصريون بلادهم الميداليات من المعادن المختلفة، إذ فاز خضر التوني بذهبية وزن المتوسط، ومحمد مصباح بذهبية وزن الخفيف، وصالح سليمان بفضية وزن الريشة، وإبراهيم شمس ببرونزيته، وإبراهيم واصف ببرونزية خفيف الثقيل.

وعكست الدورة في بعض فقراتها الصورة الايجابية لـ"العنفوان الألماني"، إذ أنه رغم إصابته بكسر في ترقوته خلال سقوطه عن صهوة فرسه أثناء القفز على الحواجز في المسابقة الكاملة للفرق، اضطر الملازم كونراد فون فانغينهايم إلى المشاركة لأن انسحابه سيقصي منتخب بلاده.

سقوط فانغينهايم

شارك فانغينهايم في المسابقة، لكن فرسه تعرضت للسقوط في أحد الحواجز، وهو "تدحرج" من فوقها.. ونهض معتقداً أنها ماتت، لكنها وقفت بدورها... وتابع الفارس والفرس المسابقة من دون أن يرتكبا أي أخطاء في باقي الحواجز... وتوجت ألمانيا بطلة أولمبية، وصفق مئة ألف متفرج بحرارة للملازم الشجاع.

رفعت ألمانيا سقف التحدي عالياً، فشيدت في أشهر معدودة ملعباً عملاقاً يتسع لمئة وعشرة آلاف متفرج، ولا يزال صامداً حتى الآن شاهداً على عصر الهندسة والتصاميم النازية... وخصصت للرياضيين قرية أولمبية مترامية الأطراف وسط غابة ومناظر خلابة، واعتمد حوض سباحة أولمبي تحيط به مدرجات تتسع لـ20 ألف متفرج.

توسعة الاستاد

وكان استاد برلين أصلاً معلماً معمارياً أنجز عام 1912، ويتسع لـ30 ألفاً، ويضم مضماراً للجري بلفة طولها 600 م بطلب من الاتحادات الرياضية وقتذاك.

وعهدت السلطة إلى البروفسور مارش نجل مهندس الاستاد بتوسعته. ولما دخل هتلر بعد انتهاء الأعمال وجده صغيراً من وجهة نظره في ما يتعلق بأنشطة الحركة النازية وشبيبتها وتجمعاتها، إذ لم تكن للرياضة الأفضلية والأهمية في هذا الإطار.

لكن الغاية تبرر الوسيلة، فمن أجل أفضل إخراج للألعاب يعكس الصورة الايجابية للنازية و"تسامحها" وترحيبها، طلب الفوهرر من وزير الدعاية والإعلام في حكومته جوزف بول غوبلز، أن يحول برلين إلى واحة تسامح وألفة.. وكان يجول معه وبصحبة قائد الطيران هيرمان غورينغ متفقدين مرافق الدورة ومطلعين على تطور الاستعداد لها... فلا عجب أن علقت أعلام عملاقة تحمل شعارين متناقضين الصليب المعكوف والحلقات الأولمبية، ولم يعد غريبا سماع صيحات الشبيبة النازية تحيي الشعلة والألعاب وهي ترتدي زياً واحداً، ويرافق أفرادها الوفود!

أوينز «بطل من كوكب آخر»
لم تنجب حلبات أم الألعاب "ألعاب القوى"، حتى اليوم مثل العداء الأميركي جيسي أوينز، الذي هز العالم مرتين، الأولى عندما حطم وعادل ستة أرقام قياسية في مدى 45 دقيقة، والثانية عندما أحرز أربع ميداليات ذهبية في الألعاب الأولمبية، التي استضافتها برلين عام 1936.

وسطر أوينز "الأسود" المولود في 12 سبتمبر 1913 في دانفيل (آلاباما)، اسمه بأحرف من ذهب في سجل ألعاب القوى العالمية، في وقت لم تكن وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية تملك القوة والسرعة، كما هي الحال في عصرنا هذا.

في 25 مايو 1935 في ان اربور بولاية ميشيغان، نجح أوينز (1.79 م و73 كلغ) في تحطيم ومعادلة ستة أرقام قياسية في 45 دقيقة. ففي تمام الساعة 15.15 عادل الرقم العالمي لمسافة 100 ياردة مسجلا 9.4 ثوان، وفي الساعة 15.25 حطم الرقم القياسي في الوثب الطويل في محاولته الأولى مسجلاً 8.13 م، الذي صمد ربع قرن حتى 1960، وفي الساعة 15.45 حطم الرقمين القياسيي العالميين لمسافتي 220 ياردة و200 م على التوالي، في زمن 20.3 ثانية، وفي الساعة 16 قطع مسافتي 220 ياردة حواجز و200 م حواجز في 22.6 ثانية.

back to top