جيوش الميديا
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
كلا الحدثين ما كان لهما أن يصلا إلى ضمائر وعقول وتفاعل ملايين البشر لولا وسائل الميديا، وعلى وجه الخصوص شبكات التواصل الاجتماعي.اللقطة الأهم التي عاشها العالم لتعبِّر عن وحشية هجوم نيس كانت لقطة خاطفة صورها تلفون نقال شخصي، لتغدو رمزاً للعملية، ولتُطلع العالم أجمع على بشاعة الهجوم ووحشيته، وتنقل لشعوب الأرض بالصوت والصورة ومن مكان المأساة حقيقة ما حدث، وبالمقابل تحوز تعاطفهم وإقناعهم بهول ما حدث، وتقدم مساعدة عظيمة للحكومة الفرنسية لمزيد من التعاطف الإنساني مع مصابها، وإعطائها كل المسوغات لاتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بالتصدي للعنف الأعمى، والحد من السلوك الوحشي الذي قد يمس أياً منا. اللقطة الثانية، هي اللقطة التي ظهر فيها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، متكلماً عبر تلفون نقال، ليناشد الشعب التركي النزول إلى الشوارع، للوقوف بوجه الانقلابيين. أقول إن هذه اللقطة الساحرة، لقطة رئيس ينحصر وجوده في شاشة تلفون نقال صغير، حركت مشاعر وحماس بل وجنون ملايين الأتراك، وجعلتهم يتركون حيواتهم ويتحركون دون إبطاء للدفاع عن الحكم الشرعي وعن تركيا وعن إردوغان. هذه اللقطة، ولن أكون مبالغاً إذا قلت إنها اللحظة الحاسمة في الانقلاب، اللحظة التي سمع خلالها الشعب التركي بالحدث، وهبَّ ليتسلم الدفة، ويقلب الانقلاب على أصحابه.إن وقوفاً مستحقاً أمام اللقطتين يشير بدلالة واضحة إلى الأثر الكبير الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف أن هذه الوسائل باتت تشكّل جيشاً قوياً وفاعلاً لا يمكن الاستغناء عنه لدى أي حكومة، ولدى أي جهة ترغب في تسويق فكرة أو سلعة. وهذا ما يبرر ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي من وجود سوق عامرة بكل أنواع البضائع، وعلى رأسها بضاعة المشاهير من أصحاب المبادئ والأفكار ونجوم الفن والرياضة، وما يمكن أن يقدموه لأي فكرة أو شخص أو جهة أو شركة، وهذا وحده صار يدرّ مبالغ خيالية تغني عن أي وظيفة!يوما بعد يوم يتضح أن العالم يعيش تحت وطأة وسطوة عالم الميديا، وأننا بتنا نعتاش على ما تقدمه الميديا اللاهثة لنا. وهذا ينسحب على ما نأكل ونشرب ونلبس، ويتعدى ذلك لما نعتنق من أفكار ونمارس من ثقافة. بل إن الخطر الكبير يكمن في أن الجميع صار يمتلك إذاعة خاصة به، وتلفزيونا وقناة فضائية، وأن أي شخص يحظى بأتباع، سواء كانوا حقيقيين أو صوريين، وهو ينقل لهم أفكاره، الصادقة والكاذبة، ويتواصل معهم على مدار الساعة، وقد يؤثر فيهم بسوء، وهنا مكمن الخطورة.الميديا وشبكات التواصل الاجتماعي ما عادت تتفاعل مع الحدث، بل صارت صانعة له وباقتدار.