عاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مساء أمس الأول إلى أنقرة التي بقي بعيداً عنها منذ محاولة الانقلاب، ليترأس اجتماعا لمجلس الامن القومي والحكومة، تم خلاله اتخاذ قرارات مهمة، شملت التشدد أمنياً عبر منح مزيد من الصلاحيات للشرطة وقوات الأمن، في وقت تواصلت حملة التطهير التي تشنها السلطات والتي طالت أكثر من 50 ألف شخص، وذلك بعد الانقلاب العسكري الفاشل يوم الجمعة الماضي الذي اتهم الداعية الإسلامي المقيم في أميركا فتح الله غولن وحركة "حزمت" (الخدمة) التابعة له بالوقوف وراءه. وعقد إردوغان أول لقاء مع مسؤول أجنبي هو رئيس وزراء جورجيا جورج كفيريكاشفيلي، وذلك قبل اجتماعه مع المجلس القومي الذي يضم كبار القادة العسكريين والوزراء المعنيين بالأمن، ومن ثم ترأس اجتماع الحكومة في القصر الرئاسي بأنقرة، الذي تعرض للقصف خلال الانقلاب الفاشل.
«التطهير»
وأمس قام البرلمان التركي بعزل عدد كبير من الموظفين الكبار، من مناصبهم، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، بينهم ثلاثة مساعدين للسكرتير العام للبرلمان. كما تم عزل رئيسة الخدمات القانونية في البرلمان ورئيس خدمات البحث ومساعدي رئيس الميزانية، ونائب رئيس خدمات الدعم، ونائب رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة، كما خضعت الأقسام الإدارية في البرلمان للعديد من التغييرات.وأعلن عزل 900 شرطي عن العمل، فيما منع الأكاديميون من السفر إلى الخارج في إجراء مؤقت اتخذ خشية سفر مدبرين لمحاولة الانقلاب من داخل الجامعات.وأقالت جامعة اسطنبول 95 أكاديمياً من مناصبهم، بينما أوقفت وزارة الشباب والرياضة التركية أمس 245 من موظفيها عن العمل.وقال مسؤولان إن السلطات وجهت اتهامات رسمية إلى 99 من نحو 360 جنرالا بالجيش، لدورهم المزعوم في محاولة الانقلاب الفاشلة، وأضافا أن 14 جنرالاً غيرهم مازالوا محتجزين. ما يعني أن نحو ثلث الجنرالات باتوا قيد التحقيق. وقامت النيابة العامة في أنقرة بوضع 260 قاضياً عسكريا تحت المراقبة الأمنية، كما قررت مؤسسة الضمان الاجتماعي التركية قطع الراتب التقاعدي لغولن، وإلغاء كل ضماناته الاجتماعية.وألقت السلطات القبض على 9 طيارين، بينهم عقيد، في القاعدة الجوية السابعة، بولاية ملاطيا وسط البلاد، بتهمة إخراج طائرات من طراز "إف-4" من عنابرها دون إذن رسمي، في القاعدة المذكورة، ليل المحاولة الانقلابية.ويكيليكس
في غضون ذلك، أكد مسؤول في مكتب الرئاسة التركية أن الحكومة التركية "فرضت قيوداً" على موقع "ويكيليكس" المتخصص في نشر الوثائق المسربة، وأرجع المسؤول ذلك إلى "انتهاك الخصوصية ونشر بيانات تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة".ونشر موقع "ويكيليكس" مساء أمس الأول نحو 300 ألف رسالة إلكترونية والآلاف من الوثائق التي تتعلق بـ"السلطة التركية". ونشر الموقع رابطا على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) لقاعدة بيانات قابلة للبحث، قال إنها تحتوي على 294 ألفا و548 رسالة بريد إلكتروني و"عدة آلاف" من المرفقات أرسلت بين عامي 2010 و2016، من 762 عنوانا بريديا لأعضاء وقياديين في حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المحافظ. وقال الموقع إن رسائل البريد الإلكتروني، التي تم نشرها، يتعلق معظمها بـ"التعامل مع العالم" وليست عن الأمور الداخلية الحساسة.قصف الأكراد
وللمرة الأولى منذ الانقلاب، قصفت السلطات التركية معسكرات لحزب العمال الكردستاني المتمرد في شمال العراق. وقالت مصادر أمنية تركية إن القصف أدى إلى قتل 20 من أعضاء الحزب في منطقة هاكورك.وذكرت وسائل إعلام تركية موالية لإردوغان أن المحققين عثروا على وثيقة يبدو أنها تشير إلى أن المخططين للانقلاب كانوا ينوون اتهام إردوغان، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، ورئيس المخابرات هاكان فيدان بمساعدة حزب "العمال الكردستاني" المحظور في البلاد. وفي عام 2012، كانت هناك محاولة من قبل ممثلين للادعاء لاستجواب وإلقاء القبض على فيدان، الذي كان يقود المحادثات السرية لإجراء مصالحة مع "العمال الكردستاني".برلين وموسكو
وفي أقوى رد فعل دولي حتى الآن على الإجراءات التي تتخدها السلطات التركية بعد الانقلاب، قال شتيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أمس، إن هذه الإجراءات "تتغاضى بالكامل عن حكم القانون وتتجاهل مبدأ تكافؤ القوة المستخدمة". في غضون ذلك، جدد الكرملين أمس التزامه بموعد، وكان اللقاء المقرر بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي مطلع اغسطس المقبل في روسيا.كليجدار أوغلو لمحاكمة المعتدين على الجنود
دعا رئيس حزب "الشعب الجمهوري" (قومي اشتراكي أتاتوركي)، أكبر أحزاب المُعارضة في تركيا، كمال كيليجدار أوغلو الى محاكمة المدنيين الذين اعتدوا على الجنود الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية الفاشلة، مضيفاً أن الجنود نزلوا الى الشوارع تلبية لأوامر قادتهم. وقال كليجدار أوغلو، الذي كان لحزبه العلماني موقف تاريخي رافض للانقلاب رغم معارضته لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المحافظ الحاكم، إنه يجب التحقيق مع القادة المدبرين لمحاولة الانقلاب العسكري ومحاكمتهم لا مع الجنود الذين تلقوا الأوامر بالنزول إلى الشوارع.