«ملبورن 1956» الأولمبياد الأول خارج أوروبا وأميركا

نشر في 21-07-2016
آخر تحديث 21-07-2016 | 00:00
بفارق صوت واحد عن العاصمة الأرجنتينية بوينوس، نالت مدينة ملبورن الأسترالية عام 1949 شرف تنظيم ألعاب الأولمبياد السادس عشر عام 1956، للمرة الأولى التي تنظم خارج قارتي أوروبا وأميركا.
نالت مدينة ملبورن الاسترالية عام 1949 شرف تنظيم العاب الاولمبياد السادس عشر عام 1956 بفارق صوت واحد عن العاصمة الأرجنتينية بوينس ايريس.

وللمرة الأولى خرقت الألعاب وحدة المكان والزمان، فنظرا إلى القوانين الاسترالية المتعلقة باستخدام الحيوانات إلى القارة البعيدة ومنها الخيول، أقيمت مسابقات الفروسية من 10 إلى 17 يونيو في ستوكهولم.

كانت ألعاب ملبورن الأولى خارج القارتين الأوروبية والاميركية، ونظمت من 22 نوفمبر إلى 8 ديسمبر أي في الشتاء الأوروبي-الاميركي، والصيف الاسترالي الحار.

كما أثرت صعوبة الانتقال وغلاؤه من القارة الاسترالية وإليها على تحجيم عدد المشاركين الذي تدنى عما كان عليه في دورتي لندن 1948 وهلسنكي 1952، إذ حضر 3314 رياضيا بينهم 376 امرأة من 96 بلدا. وشاركت للمرة الأولى كل من كينيا وليبيريا ومالي وألمانيا بشطريها وتايوان وأوغندا وفيجي وإثيوبيا.

أقيمت ألعاب ملبورن والحرب الباردة في أوجها، فخريف بودابست وسحق الدبابات السوفياتية للمعارضة المجرية بدأ في 4 نوفمبر، والنتيجة التراكمية أكثر من 20 ألف قتيل والغضب والحقد المتفاقمان "سينفجران" تعبيريا في ملبورن أيضا. شنت إسرائيل مع إنكلترا وفرنسا العدوان الثلاثي على مصر في 5 نوفمبر، وبدأت الثورة الجزائرية تتفتح، والصين التي تعارض الاعتراف بجزيرة فورموزا (تايوان) قاطعت الألعاب، كما قاطعها لبنان ومصر والعراق احتجاجا على "العدوان الثلاثي" وهولندا وإسبانيا وليشتنشتاين وسويسرا احتجاجا على الغزو السوفياتي للمجر.

غير أن رئيس اللجنة الاولمبية الدولية الاميركي أفري بروندج أعلن أن الألعاب حاجة ماسة "والصراع القائم في العالم هو بين الدول والأنظمة وليس بين الشعوب، والألعاب الاولمبية تنافس رياضي شريف بين الأشخاص ويجب أن يستمر". وهذا ما حصل واقترن في النهاية بطابور عرض وداعي مشترك ومختلط بين الأعراق والأجناس والجنسيات، وكان ردا قاسيا على الصراعات والنزاعات والأطماع التي تدفع الشعوب دائما ثمنها لحما ودما وتشريدا وخسائر في ممتلكاتها.

تضمنت ألعاب ملبورن 151 مسابقة في 19 لعبة هي: ألعاب القوى والتجذيف وكرة السلة والملاكمة والكانوي كاياك والدراجات والفروسية والمبارزة وكرة القدم والجمباز ورفع الأثقال والهوكي على العشب والمصارعة والسباحة والخماسية الحديثة والغطس والرماية والزوارق الشراعية وكرة الماء.

واحتل الاتحاد السوفياتي الصدارة للمرة الأولى برصيد 98 ميدالية (37 ذهبية و29 فضية و32 برونزية)، مقابل 74 للولايات المتحدة (32 و25 و17) و35 لاستراليا (13 و8 و14).

بداية انتصارات أستراليا

وبمبادرة من اللجنة الاولمبية الدولية، تبارت الألمانيتان في بعثة مشتركة وسارت مجتمعة في طابور العرض الافتتاحي، وحصد أبطالها 6 ذهبيات و13 فضية و7 برونزيات، ولبسوا بزات رياضية "ثورية" منسوجة من مادة البرولاستيك التي كانت بداية "فتح" في تصنيع الألبسة الرياضية.

وباتت الألعاب أيضا بداية عصر انتصارات استرالية في ألعاب القوى والسباحة. وإذا كان العداء رون كلارك قد لفت الاهتمام في حفل الافتتاح الضخم حين تسلم الشعلة الاولمبية وأوقدها بعدما حملها 2752 رياضيا ورياضية، فإن مواطنته الشقراء الجميلة كايتي كاثبرت (18 عاما) شدت الأنظار في الجري وحصدت لبلدها 3 ذهبيات في سباقات 100م و200م والتتابع 4 مرات 100م، وهي دشنت انتصاراتها برقم اولمبي في 100م (11.5 ثانية).

أما مثيلها عند الرجال، فكان الاميركي هنري "بوبي" مورو الذي حقق انتصاراته تحت أنظار مواطنه الأسطورة جيسي اوينز لكن الهواء العاصف أعاقه في تحطيم رقم 100م، فاكتفى بتسجيل 10.5 ثوان.

وعرفت الابتسامة الاسترالية أكثر مع جيل السباحين المميزين، وفي مقدمهم جون هنريكس (19 عاما) الذي قاد ثلاثية بلاده في 100م حرة، فحل لورين كراب ثانيا وفيت ليش ثالثا، وأسهم أيضا في ألقاب التتابع كلها وتسيد موراي روز سباقي 400م حرة و1500م.

وشهد الحوض دخول مسابقة جديدة هي سباقات الفراشة، واقتصرت على 200م رجال وعاد لقبه للاميركي وليام يورزيك و100م سيدات وفازت به مواطنته شيلي مان.

واستخدمت الزانة المصنوعة من الألياف الزجاجية للمرة الأولى في مسابقة القفز بالزانة من قبل اليوناني يورغوس روبيناس الذي حل ثالثا (4.50م) مقابل (4.56م) للاميركي بوب ريتشارد الذي احتفظ باللقب، وهو كان في هلسنكي طالب لاهوت، وسيم كاهنا.

ولمع نجم آخر في سماء ألعاب القوى هو الاميركي باري أوبراين في الكرة الحديد بتسجيله 18.57م، مطورا رقمه الذي منحه ذهبية هلسنكي أيضا بفارق 1.16م.

تألق أورتر

وبينما دشن الاميركي ألفريد "أل" أورتر عصر هيمنته الكاسحة على مسابقة رمي القرص التي استمرت 4 دورات وبأرقام تصاعدية لافتة بدأها في ملبورن بتسجيله 56.36م وأنهاها عام 1968 في مكسيكو بتحقيق 64.78م، فان مواطنه هارولد كونولي كان عريس ملبورن على محورين، وقد أحرز ذهبية رمي المطرقة مسجلا رقما عالميا مقداره 63.19م، وتجاوز "إنجاز" المجري جوزف شيرمك في هلسنكي بنحو 3 أمتار. وتعدت شهرته الآفاق بمباركة من أكثر من مئة ألف متفرج في استاد ملبورن بعدما تطور إعجابه ببطلة رمي القرص التشيكوسلوفاكية أولغا فيكوتوفا إلى حب ثم إلى الزواج بعد نحو ثلاثة اشهر، فحفرا كوة في الجدار العازل "بين الشرق والغرب".

واستمر البرازيلي اديمار فيريرا دا سيلفا ساحر الوثبة الثلاثية ففاز بالذهبية مسجلا 16.35م في مقابل 16.22م حققها في هلسنكي يوم توج للمرة الأولى.

أما نجمة البعثة السوفياتية فكانت "دلوعة" الجمباز لاريسا لاتينينا التي حصدت 6 ميداليات بينها 4 ذهبيات، والتي أنهت مسيرتها لاحقا وفي جعبتها رقم قياسي من الميداليات بلغ 18 من المعادن المختلفة نصفها من الذهب.

المجر ومعركة الحوض مع الاتحاد السوفياتي

جاءت المقابلة في كرة الماء بين السوفيات والمجريين ضمن دورة ملبورن الاولمبية عام 1956 ساخنة، وكانت معركة مائية في الحوض، إذ لم تفز المجر 4-صفر فقط بل كسبت سمعة ودعاية دوليتين تخطتا البعد الرياضي للمناسبة.

وكانت نفوس المجريين مشحونة وتريد الرد بأي وسيلة على "الاخ الاكبر"، الذي غزا بلدهم بنحو 200 الف جندي ودخل عاصمتهم بوادبست في 24 اكتوبر.

وحضرت بعثة المجر الى ملبورن من دون ان تنجز استعدادتها، وفي طابور العرض وضع افرادها شريطا اسود على علمهم. وقبل "المنازلة المائية" رفض المجريون مصافحة منافسيهم، لكن الحقيقة المرة في العلاقة المتأزمة بين الطرفين انفجرت لاحقا وكان مسرحها حوض كرة الماء حيث تواجه منتخباهما في مباراة تحولت الى ملاكمة مائية صبغت بالدم.

ونشب الاشتباك في الدقيقة 12 من المباراة عندما تقدم المجريون 4-صفر، وكانت المدرجات تغلي بغالبية من مواطنيهم يصرخون "ليعود الروس الى بلادهم"، وترد الاقلية "انكم فاشيون".

ويبدو ان حكم المباراة السويدي سام سوكرمان توجس شرا من اللقاء، فطلب من الطبيب المناوب يونغ كيرسي ان يحضر في الحوض لمساعدته حين تدعو الحاجة. وصدقت توقعاته حين وجه فلاديمير بروكوف لكمة "جارحة" الى ارفين زادور، ولما صبغ دمه مياه الحوض هاج الجمهور وصرخ "قتلوا زادور"، علما بانه اصيب بجرح بسيط فوق حاجبه.

وتحول اللقاء سريعا الى تبادل للكمات بين تسديد الكرة وتمريرها، ما اضطر الحكم سوكرمان الى ايقاف المباراة قبل انتهائها.

وخسر منتخب الاتحاد السوفياتي "النزال"، وقيل ان "المحتل نال جزاءه"، علما بان الحادث طوق خشية ان يترك تداعيات كبيرة تؤثر على مسار الالعاب وتعكر المثل الاولمبية.

واحتفظ منتخب المجر باللقب الاولمبي، وقد حققه للمرة الرابعة بعد دورات 1932 و1936 و1952، وكان فوزه من اجل جمهورية تنازع وبلد جريح.

back to top