ونحن على أعتاب الذكرى السنوية للغزو العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس 1990م– سأظل أستعمل هذا الوصف الدقيق (غزو) قبل أن يجرم وتصبح له عقوبة بسبب التهجم على الدول الشقيقة والصديقة– أعاني وكل من عاصروا أيام الغزو العراقي صعوبة في نقل تفاصيل صورة تلك الأيام لمخيلة الأجيال الجديدة التي لم تبدأ بتصديق ما حصل إلا من خلال الجزء الثالث من مسلسل ساهر الليل!!

لقد كان مسلسلاً اجتماعياً عرض في موسم رمضاني سابق، وهو بمنزلة جرس إنذار للذاكرة الوطنية على جميع المستويات، ذلك أن الفشل في إقناع الداخل بأن ما حصل للكويت والكويتيين أمر حقيقي لا يستهان به، ويعني الفشل الذريع في إقناع الخارج بقضيتنا كجزء من التاريخ الإنساني.

Ad

صحيح أن الغزو العراقي صار من الماضي، وبات من الصعب إنكاره لتشابك عملية تحرير الكويت بقرارات أممية وأمم تدخلت بجيوشها لأجل تحرير تلك الدولة الصغيرة، ولكن من المعيب حقا أن نفشل كدولة وأرباب أسر في غرس ذكرى الغزو وما تلاها في ذاكرة أطفالنا الذين سيكبرون على جهل وصور مشوشة لحدث قد يزوّر على أنه مجرد "خناقة" حدودية.

لقد اجتهدنا كدولة في مسح معالم الغزو العراقي وتعجلنا في مساواة الآثار الملموسة بالوساخة التي يجب تنظيفها، ولم يتبق لنا سوى مواقع قليلة من أهمها "بيت القرين"، ويبدو أن تلك العقلية الهادمة حالة مزمنة في القرار الرسمي وتحظى بخدر شعبي عال، كان من نتائجها ضياع الكثير من معالم الكويت القديمة، واندثار ما يصعب اليوم تخيله لولا بعض الصور والأفلام القديمة.

لقد حظيت دور العبادة بوضع خاص حفظها من الاندثار كمعالم تاريخية، كما سنت القوانين التي تصون الآثار، ولكن كل ذلك لم يكن كافيا لإنقاذ مسجد شملان الرومي الذي أنشئ عام 1893م من مصير الهدم الذي ينتظره بسبب وقوعه ضمن مشروع تطوير الدائري الأول، يقول وزير الأشغال إن مسجد الرومي هدم بالكامل، وأعيد بناؤه عام 1965م، ولا يوجد فيه شيء تراثي غير الأبواب والشبابيك!!

يا معالي الوزير قد تتعرض الجدران والمحتويات لأضرار بليغة، ولكن إحداثيات المكان تبقى ثابتة، وهي حدود الروح التي تسكن المكان، وتغيير الإحداثيات يعني نزع الروح وتزوير التاريخ مهما حافظت على سلامة الأبواب والشبابيك.