انعدام الأمن المائي في العالم العربي
لا شك أن الدول الأكثر ثراء واستقرارا مثل المملكة العربية السعودية وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة في وضع أفضل من الدول التي تمزقها الصراعات مثل اليمن وليبيا والعراق، بما يسمح لها بمعالجة أزمة المياه المتزايدة الحِدة التي تواجهها.
لن نجد على الأرض مكانا يعاني ندرة في المياه العذبة أكثر من العالم العربي، فالمنطقة موطن لأغلب دول العالم الأكثر فقرا من حيث الموارد المائية، بما في ذلك البحرين، وجيبوتي، وغزة، والأردن، والكويت، وليبيا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. ويلقي هذا النقص- المتعاظم بفِعل الانفجار السكاني ونضوب النظم البيئية الطبيعية وتدهورها والسخط الشعبي- بظلاله القاتمة على مستقبل هذه البلدان.والتحديات التي تواجه العالَم العربي وفيرة، فالدول العربية عبارة عن كيانات حديثة اخترعتها القوى الاستعمارية عند رحيلها، وهي لهذا السبب تفتقر إلى الهوية التاريخية المتماسكة، كما تفتقر هياكل الدولة هناك إلى الأسس القوية. وعندما نضيف إلى هذا الضغوط الخارجية والداخلية- بما في ذلك ارتفاع الإسلام السياسي، والحروب الأهلية، والهجرة الجماعية من مناطق النزاع- يبدو مستقبل العديد من الدول العربية محاطا بالشكوك وعدم اليقين.ويبدو أن قِلة من المراقبين يدركون كيف تساهم ندرة المياه في إدامة حلقة العنف، فكان أحد المحركات الرئيسة لثورات الربيع العربي- ارتفاع أسعار الغذاء- مرتبطا بشكل مباشر بأزمة المياه المتفاقمة في المنطقة، كما تغذي ندرة المياه التوترات بين الدول، وتنهمك المملكة العربية والسعودية والأردن على سبيل المثال في سباق صامت على استخراج مخزون طبقة الديسي من المياه الجوفية المشتركة بين البلدين.
وقد تستخدم المياه حتى كسلاح، ففي سورية انتزع تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على أحواض المنبع للنهرين الرئيسيين، دجلة والفرات، وربما تساهم حقيقة أن ما يقرب من نصف العرب يعتمدون على تدفقات المياه العذبة من دول غير عربية، بما في ذلك تركيا ودول منابع نهر النيل، في تعاظم انعدام الأمن المائي.وتشكل معدلات الخصوبة المرتفعة إلى عنان السماء مصدرا آخر للضغوط، فوفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، ربما يهبط متوسط معدل توافر المياه السنوي في العالم العربي إلى 460 مترا مكعبا للفرد، وهذا أقل من نصف عتبة الفقر المائي عند مستوى 1000 متر مكعب، وفي هذا السيناريو يصبح استخراج المياه أقل استدامة مما هو عليه الآن بالفعل، مع استنزاف مخزونات محدودة بسرعة أكبر من أي وقت مضى، وهو الوضع الذي قد يغذي المزيد من الاضطرابات.وأخيرا تقدم دول عديدة إعانات دعم خاصة بالمياه، ناهيك عن البنزين والمواد الغذائية، في محاولة لشراء السِلم الاجتماعي، ولكن مثل هذا الدعم يشجع الممارسات المسرفة، ويُفضي إلى التعجيل باستنزاف الموارد والتدهور البيئي.باختصار أصبح العالم العربي حبيسا على نحو متزايد داخل حلقة مفرغة، إذ تؤدي الضغوط البيئية والديمغرافية والاقتصادية إلى مضاعفة ندرة المياه، ويعمل ما ينتج عن ذلك من بطالة وانعدام الأمن على تغذية التوترات الاجتماعية والاضطرابات السياسية والتطرف. وتستجيب الحكومات بزيادة إعانات الدعم للمياه وغير ذلك من الموارد، وهو ما من شأنه أن يعمل على تعميق التحديات البيئية التي تؤدي إلى مضاعفة الندرة والاضطرابات. والتحرك العاجل مطلوب الآن لكسر هذه الحلقة، فبادئ ذي بدء ينبغي للدول أن تتخلص تدريجيا من المحاصيل الكثيفة الاستخدام للمياه، وأن تستورد الحبوب والبذور الزيتية ولحوم الأبقار من الدول الغنية بالمياه، حيث يمكن إنتاجها بقدر أكبر من الكفاءة والاستدامة.أما عن المحاصيل التي تستمر الدول العربية في إنتاجها، فإن إدخال تكنولوجيات أكثر تقدما والاستعانة بأفضل الممارسات من مختلف أنحاء العالم من الممكن أن يساعدا في الحد من استخدام المياه، ومن الممكن استخدام تكنولوجيات الأغشية والتقطير لتنقية المياه الفاسدة والملوثة، وتكرير مياه الصرف الصحي، وتحلية المياه المالحة أو مياه المحيط. ومن الممكن أن يعمل الري بالتنقيط الذي يتسم بدرجة عالية من الكفاءة على تعزيز إنتاج الفاكهة والخضراوات في المنطقة، من دون استخدام مفرط للمياه.تتمثل خطوة مهمة أخرى بتوسيع البنية الأساسية للمياه وتعزيزها لمعالجة اختلالات التوازن الموسمية في توافر المياه، وتحسين كفاءة التوزيع، وتجميع مياه المطر، وبالتالي فتح مصدر إضافي للإمدادات. الآن، يعمل الأردن، بالتعاون مع إسرائيل وبمساعدة من الاتحاد الأوروبي، على مد خط أنابيب من البحر الأحمر إلى البحر الميت، وهي القناة التي يفترض أن تنقل مياه البحر الأحمر المحلاة لتزويد الأردن وإسرائيل والمناطق الفلسطينية بمياه الشرب، ومن ثَمّ توجيه المياه المالحة إلى البحر الميت المحتضر.كما يشكل تحسين إدارة المياه أهمية بالغة، وتتلخص إحدى الطرق لتحقيق هذه الغاية في تسعير المياه بشكل أكثر تناسبا، وهو ما من شأنه أن يخلق الحافز لمنع الهدر والحفاظ على الإمدادات، وفي حين يجب ألا تُلغى إعانات الدعم بالكامل، فلابد أن يجري توجيهها نحو صغار المزارعين أو غيرهم من العاملين من ذوي الاحتياجات المرتفعة وإعادة تصميمها بحيث تعمل هي أيضا على توفير الحافز للحفاظ على المياه ورفع كفاءة استخدامها.لا شك أن الدول الأكثر ثراء واستقرارا مثل المملكة العربية السعودية وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة في وضع أفضل من الدول التي تمزقها الصراعات مثل اليمن وليبيا والعراق، بما يسمح لها بمعالجة أزمة المياه المتزايدة الحِدة التي تواجهها، ولكن كسر حلقة العنف وانعدام الأمن يستلزمان قيام كل الدول في نهاية المطاف بتعزيز سبل تحسين إدارة المياه وحماية النظم الأيكولوجية البيئية، وإلا فإن محنة نقص المياه- جنبا إلى جنب مع الاضطرابات الداخلية- لن تزداد إلا سوءا.* براهما تشيلاني | Brahma Chellaney ، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب، منها "الطاغوت الآسيوي"، و"المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا"، و"المياه، والسلام، والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية".«بروجيكت سنديكيت، 2016»»بالاتفاق مع «الجريدة»
قِلة من المراقبين يدركون كيف تساهم ندرة المياه في إدامة حلقة العنف
إدخال تكنولوجيات أكثر تقدماً والاستعانة بأفضل الممارسات يمكن أن يساعدا في الحد من استخدام المياه
كسر حلقة العنف وانعدام الأمن يستلزمان تعزيز كل الدول سبل تحسين إدارة المياه وحماية النظم الأيكولوجية البيئية
إدخال تكنولوجيات أكثر تقدماً والاستعانة بأفضل الممارسات يمكن أن يساعدا في الحد من استخدام المياه
كسر حلقة العنف وانعدام الأمن يستلزمان تعزيز كل الدول سبل تحسين إدارة المياه وحماية النظم الأيكولوجية البيئية