فجر يوم جديد : جحيم في الهند!
مفارقة غاية في الغرابة والتناقض أن توجه الشركة المنتجة لفيلم «جحيم في الهند» الشكر إلى دولة الهند حكومة وشعباً، وبعد ثوان قليلة تحكي الأحداث عن عصابة إرهابية هندية قامت باختطاف السفير المصري وعائلته، بالإضافة إلى عدد من سفراء الدول الأجنبية، ورفضت الإفراج عنهم إلا بعد الاعتراف باستقلال دولة الإرهابي «كارفور»، وكأن الهند تحولت إلى مرتع للعنف والإرهاب، وفي مشهد لاحق يتجاهل الفيلم تنوع الثقافات فضلاً عن ثراء العادات والتقاليد الهندية الشهيرة، ويتوقف عند صورة القبائل الهندية «آكلة لحوم البشر» والغوريلا التي تتعايش مع البشر!قدم مصطفى صقر ومحمد عز الدين كاتبا الفيلم، ومعهما المخرج معتز التوني، جرعة كبيرة من السخرية اللاذعة، التي حاكت «البارودي»، كما في مشهد تحرير العالم المصري (محمد عبد الرحمن) من قبضة مختطفيه في إسبانيا، والحديث عن معاناة العلماء في مصر، من حيث تدني الأجور، وتراجع موازنة العلاج، وهو ما يعرض بعضهم لكثير من الإغواء المادي، كما فعل الخاطفون الذين عرضوا على العالم خمسة ملايين من الدولارات مقابل الحصول على البحث العلمي الخاص به، وبلغت السخرية مداها بالارتباك الذي أصاب الجهاز الأمني الرفيع، عقب اختطاف السفير المصري وعائلته في الهند، واكتشاف «آدم صبري» (محمد إمام) رئيس القوة المكلفة بتحرير الرهائن أن الفرقة التي رافقته ليست «الفرقة الخاصة 711» وإنما «الفرقة 118» لآلات النفخ النحاسية التابعة للموسيقى العسكرية!
فكرة رائعة لم تصمد طويلاً على الشاشة، بسبب ضعف خيال الكاتبين، واضطرارهما إلى ملء المساحات الفارغة بكثير من المبالغات، فيما اعتمد المخرج على اجتهاد وخفة ظل أبطال العمل، فالهرج الجميل بدأ في الطائرة التي تقل الفرقة الهزلية، وتواصل مع الهبوط الاضطراري لأفراد القوة ما أسفر عن تشرذمهم ما بين اشتباك مظلة «عجينة» (إبراهيم أبو ليلة) بالشجرة، وارتماء «سناء» (محمد سلام) في أحضان الغوريلا «حلا»، وسقوط «محمد» (حمدي الميرغني) و{بحيري» (أحمد فتحي) في براثن «آكلي لحوم البشر» بينما وقع «الصول شامل» (بيومي فؤاد) في غرام فتاة هندية، وسارع إلى الزواج منها، وهبط «آدم صبري» فوق سطح «توك توك» هندي، فالمدينة الهندية تحولت إلى حي شعبي مصري تتردد فيه أغاني المهرجانات، ويلعب المصريون فيه «الطاولة» على المقاهي، والمبالغة بدت محببة للغاية، قبل أن يخفت الدفق الإبداعي، ويكاد يتجمد، ويسقط الفيلم في فخ «التطويل»، وتُترك الأمور بأيدي أبطاله ليملأوها بالطريقة التي تعن لهم، فالمواقف تتوالى من دون خطوة درامية واحدة إلى الأمام، والكوميديا الراقية انقلبت إلى «تهريج»، لولا اجتهادات محمد ثروت في شخصية «شاروخان»، الذي أضفى، بتلقائيته وموهبته، بريقاً وطلاوة على الفيلم، وحضور ياسمين صبري في المشاهد القليلة التي شاركت فيها، والزخم البصري (مدير التصوير مصطفى فهمي) والموسيقى (مادي)، والحرفية الواضحة للمخرج معتز التوني في إضفاء اللمسة الكوميدية، بعيداً عن قيامه بالسطو على مشهد الليزر، أثناء تحرير العالم المصري، من الفيلم الأميركي Entrapment (1999) بطولة شين كونري وكاترين زيتا جونز، وتركه الحبل على الغارب للممثلين، وعلى رأسهم بيومي فؤاد، للارتجال والظهور ثم الغياب، وتراجع القدرات بشكل عجيب ومؤسف، فضلاً عن استعانة المخرج باستعراض ختامي أراده تحية للشعبين المصري والهندي لكنه جاء {في الوقت الضائع}، أو ما اصطلح على تسميته {ما بعد الذروة} anti climax، ومثل مفاجأة للجمهور الذي كان يتأهب لمغادرة القاعة! فيلم {جحيم في الهند} محاولة جادة، على صعيد الإنتاج والكتابة والإخراج، لتغيير النمط السائد في الأفلام الكوميدية، من حيث اعتماده على الفكرة الطازجة، والبطولة الجماعية، والتصوير في الخارج لضرورة درامية، وليس من منظور سياحي ضيق، لكن يؤخذ على الفيلم خلطه الصارخ بين كون الأحداث تدور في الهند وإفريقيا، فالمساحة التي كان أبطالها {آكلة لحوم البشر} و{الغوريلا} و{النسانيس} توحي وكأننا حيال {جحيم في الأدغال} وليس {.. في الهند}!مع تميز ديكور أحمد عباس، ومونتاج سلافة نور الدين، عانى شريط الصوت من سوء واضح، وإن كان غير مبرر، خصوصاً في المشاهد التي جرى تصويرها في الهند، باستثناء الاستعراض الأخير، ولم يفلت محمد إمام من تأثير والده عليه، وهو ما تعمد كاتبا الفيلم الإشارة إليه، سواء من خلال {الديالوغ} ذي الدلالة بينه وبين رئيسه اللواء (حسن حسني)، وإيماءاته التي تؤكد هذا التأثر، رغم نفيه للاتهام وتهربه منه، وكذلك المشهد الذي أبدى فيه {آدم صبري} (الربط واضح بينه وبين {أدهم صبري} رجل المستحيل) خوفه على الأطفال، لحظة تحرير الرهائن، مثلما فعل {حسن بهنسي بهلول} (عادل إمام) وهو يدافع عن الأطفال في فيلم {اللعب مع الكبار}، أما النهاية السعيدة، التي تمنى {آدم صبري} خلالها الزواج من الضابط {دينا} (ياسمين صبري)، وموافقتها الضمنية على الارتباط به، فهي نهاية مجانية تستهدف دغدغة مشاعر المراهقين ليس أكثر!