المنافسة المفتوحة في روما 1960

نشر في 22-07-2016
آخر تحديث 22-07-2016 | 00:00
لم تجمع دورة أولمبية سابقة من اللاعبين والدول كما جمعت دورة روما عام 1960، التي أقيمت من 25 أغسطس إلى 11 سبتمبر، بمشاركة 5338 رياضيا، بينهم 611 لاعبة من 83 بلدا، بينها جنوب إفريقيا، التي غابت بعدها، بسبب الحظر الذي فرض عليها، لاعتمادها سياسة التمييز العنصري، ولم تعد إلى الساحة الأولمبية إلا عام 1992 في دورة برشلونة.

وحضر الألمان ضمن بعثة موحدة، كما حضر للمرة الأولى رياضيون من المغرب والسودان وتونس والجمهورية العربية المتحدة (سورية ومصر)، وسان مارينو، وتبارى المشاركون في 151 مسابقة ضمن 17 لعبة، هي: ألعاب القوى، التجديف، كرة السلة، الملاكمة، الكانوي كاياك، الدراجات، الفروسية، المبارزة، كرة القدم، الجمباز، رفع الأثقال، الهوكي على العشب، المصارعة، السباحة، الخماسي الحديث، الرماية واليخوت.

وحلَّ الاتحاد السوفياتي في المركز الأول، برصيد 103 ميداليات، منها 43 ذهبية، مقابل 71 ميدالية (34 ذهبية) للولايات المتحدة و36 (13 ذهبية) لايطاليا.

وتمثل الرصيد العربي بفضيتين وبرونزيتين، من خلال إحراز المغربي عبدالسلام الراضي المركز الثاني في سباق الماراثون، والمصري عثمان السيد المركز الثاني في المصارعة اليونانية-الرومانية (وزن الذبابة)، ومواطنه عبدالمنعم الجندي المركز الثالث في الملاكمة (وزن الذبابة)، والعراقي عبدالواحد عزيز المركز الثالث في رفع الأثقال (وزن الخفيف).

وعرفت الألعاب نجاحا كبيرا، ولا سيما من خلال النقل التلفزيوني المباشر أو المسجل ورائدته شركة "اوروفيزيون"، التي نقلت وقائع حفل الافتتاح مباشرة إلى 20 دولة أوروبية. وتابع وقائع المسابقات مواطنو 100 دولة، بينها اليابان والولايات المتحدة وكندا.

وبات نشيد "ساماراس وبالاماس" نشيدا ثابتا للألعاب في الدولة، التي استوحت التقاليد والرموز الرومانية في كل شيء، حتى في الشعار والتاريخ وكتابة أرقام أيامه وشهره بالأحرف الرومانية.

وتأقلم العالم مع القوتين العظميين الطاغيتين، وصادفت الألعاب وبزوغ نجم الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف، وتحضير الرئيس الاميركي جون كينيدي حملته الانتخابية.

وإلى جانب العظمة الإيطالية في الافتتاح والتنظيم والاحتفالات، حيث عاش الجميع مشاهد وكأنهم يمثلون في أفلام فيدريكو فيلليني، فإن المنافسات والأسماء الكبيرة تبقى الأبرز في "الأولمبياد".

فعلى الرغم من تفوق لي كالهون ورالف بوسطن ودون براغ في سباق 110 م حواجز والوثب الطويل والقفز بالزانة، فإن ألعاب القوى الاميركية "تراجعت" وتوج الألماني الغربي أرفين هاري والإيطالي ليفيو بيروتي بطلين لسباقي 100 و200 م، والألماني كارل كوفمان في 400 م.

وبرز في المسافات المتوسطة النيوزيلندي بيتر سنيل والاسترالي هيربرت ايليوت، وتألق الإثيوبي الحافي القدمين ابيبي بيكيلا، ففاز في الماراثون، وأهدى إفريقيا لقبها الكبير الأول في سباق عريق لـ"أم الألعاب".

وتألقت الاميركية ويلما رودولف "الغزالة السمراء"، ففازت بثلاث ذهبيات في المسافات القصيرة. وتعرف الناس على وجه جديد في الملاكمة هو الاميركي كاسيوس كلاي (محمد علي لاحقا).

تميز الأستراليين

عنوان فرعي

وكان الاستراليون مميزين في السباحة، لكن نهاية سباق 100 م حرة شهدت جدلا كبيرا، إذ منح حكمان من أصل ثلاثة مكلفين تحديد صاحب المركز الأول الفوز للاسترالي جون ديفيت، فيما اعتبر الثالث الاميركي لانس لارسن فائزا، بيد أن حكمين من الثلاثة المكلفين تحديد صاحب المركز الثاني أعلنا أن ديفيت حل ثانيا، وأكد الثالث أن لارسن هو الوصيف. وقرر الحكم الرئيس منح الفوز للسباح الاسترالي، لكن في ضوء التوقيت الذي ضبطه الميقاتيون سجل 55.2 ثانية، مقابل 55.1 للارسن.

وبناءً عليه، قرر الحكم الرئيس تعديل التوقيت الرسمي علما أن الصورة النهائية "فوتوفينش" أكدت فوز لارسن. وحاول المسؤولون الاميركيون في السنوات الأربع التالية تعديل القرار، لكن دون جدوى.

ولم يسبق أن حقق الإيطاليون إنجازات فوق العادة في الدورات السابقة، لكنهم أرادوا أن يكونون متألقين على أرضهم. هكذا تميز بيروتي وحطم الرقم العالمي في سباق 200 م (20.5 ثانية)، رقم اعتبر وقتذاك اعجازيا. انه عداء "جيغولو" ينافس مرتديا نظارة سوداء ويتفوق على "اسودين" الاميركي لي كارني والفرنسي الإفريقي عبدالله سيي، متقدما عليهما بفارق مترين.

والنجم الإيطالي الآخر، كان الملاكم نينو بنفونيتي الذي استقطب الأضواء، رغم أنها دورة "كاسيوس كلاي"، وجسد قصة ابن مدينة تريستي الشجاع (22 عاما) الذي فاز بذهبية وزن "67 كلغ"، في إطار سيطرته الأوروبية المطلقة التي استمرت عشرة أعوام.

وواجه بنفونيتي خمسة ملاكمين تباعا أولهم وأبرزهم الفرنسي جوسلين، الذي قال عنه: "لما نلت منه أدركت أنني سأتوج بالذهب، وكان هناك ايضا الكوري كين سو كين، الذي فاز علي بعد 6 سنوات في بداية مسيرتي الاحترافية، ملحقا بي الخسارة الأولى". ومن ابرز "الخائبين" في دورة روما البعثة الفرنسية الكبيرة (237 شخصا)، والتي لم تحصل إلا على فضيتين وثلاث برونزيات، ما جعل صحيفة الفيغارو تنشر "كاريكاتورا" تهكميا يظهر الجنرال شارل ديغول غاضبا، موجها لومه إلى مسؤولي الرياضة الفرنسيين، قائلا لهم: "حتى في الرياضة عليَّ أن أشمر عن ساعدي وانزل إلى الميدان".

وحل ميشال جازي ثانيا في 1500 م، علما أن مواطنه ومنافسه المباشر ميشال برنار لعب من دون قصد دور الطريدة المحفزة للاسترالي هيربرت إليوت الذي حطم الرقم العالمي، مسجلا 3.35.6 دقائق.

في المقابل، سجل الأميركيون "ثلاثية" لافتة في 110 م حواجز، فإلى جانب تحطيم كالهون الرقم الأولمبي (13.8 ثانية)، حلَّ ويلي ماي ثانيا، وهايز جونز ثالثا.

بيكيلا المذهل يعلن إثيوبيا أرض عدّائين

الإثيوبي ابيبي بيكيلا عدَّاء مذهل يجري حافي القدمين، وكأنه في سهوب بلاده يركض خلف الخرفان.

فاز في ماراثون دورة روما 1960 في الأمسية الأخيرة من الالعاب، واجتاز خط النهاية نضرا غير متأثر بالمسافة والجهد، فأدهشت لياقته البدنية وحيويته الاطباء بعد عناء 42.195 كلم.

اخترق "السائح الإثيوبي" شوارع العاصمة الايطالية، مكتشفا روما القديمة، وحاصدا الانتصار، ومحطما الرقم القياسي الذي حققه التشيكوسلوفاكي اميل زاتوبيك في دورة هلسنكي 1952 (2.23.03.2 ساعة).

خرج بيكيلا (28 عاما)، الجندي في الحرس الامبراطوري الإثيوبي من بين الصفوف، واخترق الطليعة، ليبلغ خط النهاية حافي القدمين، فالاحذية الرياضية لا تريحه، والجري من دونها اسهل، وسجل 2.15.16.2 ساعة، في مقابل 2.15.41.6 ساعة للمغربي عبدالسلام الراضي.

وكان بيكيلا (58 كلغ، 1.76م) نموذجا لجيل من العدائين الافارقة الذين طبعوا المسافات الطويلة بطابعهم الخاص، والحصاد المثمر لمدرب اللياقة البدنية في كتيبة حرس الإمبراطور هايلي سيلاسي، السويدي اومني نيسكانن المولود في هلسنكي.

قبل أربع سنوات من موعد الالعاب، اكتشف المدرب الخبير جنديا شابا انخرط في صفوف الحرس الامبراطوري منذ سن المراهقة، بهره بقدرة تحمله. شاب قادم من الريف البعيد ومولود في 7 اغسطس 1932، وهو اليوم الذي نظم فيه سباق الماراثون في دورة لوس انجلس الاولمبية.

عندما فاز بيكيلا بذهبية روما كان العداء الحافي القدمين مجهولا، لكن وقته القياسي جعل منه اسطورة، لكونه أول رياضي افريقي اسود يتوج بطلا اولمبيا.

ومن المفارقات، أنه احرز لقبه في روما عاصمة الدولة التي استعمرت بلاده إثيوبيا، واجتاز خط الوصول (تحت قوس قسطنطين على بُعد خطوات من الكوليزه)، من حيث ارسل موسوليني قبل ربع قرن قواته لتغزو بلاد الحبشة.

بيكيلا ابن مزارع فقير من قبيلة امهارا في جنوب إثيوبيا، شديد السمرة، اشعث الشعر، حاد الأنف، بدأت مواهبه الرياضية تبرز في دورات عسكرية محلية. وتولى شؤونه نيسكانن وقاده الى ذلك النصر التاريخي الكبير. وعندما عاد الى بلاده كان طبيعيا ان يستقبل استقبال الابطال. وأهداه النجاشي (الامبراطور) شقة وسيارة، لكن بعد فترة وجيزة حصل تمرد في القصر الامبراطوري (13 ديسمبر) تم على اثره اعتقال جميع افراد الحرس واعدامهم رميا بالرصاص، باستثناء بيكيلا الذي تدخل الامبراطور شخصيا لانقاذه، وقبل يومها ان ذهبيته الاولمبية انقذته.

back to top