الانهيارات المتتالية في مباني الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، التي يفترض أن تكون "جديدة"، لا تثير الرعب على أرواح أبنائنا الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والعاملين فيها فحسب، بل تقرع كل مؤشرات الخوف على حاضر البلد ومستقبله، الذي باتت فنون الفساد تتفشى فيه دونما حسيب أو رقيب، ويبدو أنها برعاية أو على الأقل بلا مبالاة حكومية واضحة.السنوات الأخيرة تحديداً شهدت سلسلة من الفضائح الإنشائية ذات العلاقة بسلامة المباني العامة وأرواح منتسبيها ومرتاديها، كما هي الحال في مشروع استاد جابر، أو زيادة الجرعة المالية بمبالغ خيالية كنموذج مستشفى جابر والمطار الجديد، أو تكرار حوادث الحريق كلما قربت مواعيد الإنجاز كما هي الحال في مشروع جامعة الشدادية، والغريب في الأمر أن مجموعة قليلة من الشركات هي التي تحتكر مناقصات الدولة الكبيرة، ورغم إخفاقاتها ومشاكلها والسمعة السيئة التي لحقت باسم الكويت في مؤشرات الفساد، يجدّد لهذه الشركات وتُمنح مناقصات جديدة أكبر فتكافأ بمزيد من الأموال العامة.
أما تبعات المآسي التي تخلفها مشاريع الفساد فهي مشابهة لبوليصة تأمين ضد الغير، حيث يتحمل الآخرون أخطاء الغير، تماماً مثلما يحدث في مباني "التطبيقي" المهزوزة، وأول من يتحمل وزر سوء تنفيذ المباني هم الطلبة والأساتذة الذين انتظروا عقدا كاملا من الزمن لإنجاز مؤسستهم التعليمية، وقد تنتهي بهم الحال إلى البقاء في فصول "الجينكو" إلى أمد غير معروف لحين استكمال الصيانة وأعمال الدعم، أي تأخير وعرقلة مسيرة التعليم رغم حالتها المزرية أساساً.أما المجرم الحقيقي فهو سائق التراكتور في الشركة الزراعية، وهذا المسكين هو الذي سيجرجر للتحقيق والمساءلة وربما يدان ويزج به في السجن، لأن ثقل التراكتور هو الذي تسبب في انهيار سرداب مواقف السيارات! علماً أن آلة مثل الحفارة أو التراكتور بإمكانها أن تسير على عوامة بلاستيكية قوية مثلما حدث في مشروع الخط السريع في دبي، حيث تم بناء شارع كامل طوله كيلومترات من قطع العوامات البلاستيكية لحين إنجاز الطريق الدائم!الكلام في محاربة الفساد تحول إلى فضفضة أقصى ما يمكن أن تصل إليه هو قلوب الناس ووجدان المخلصين من أبناء هذا البلد، ولم يعد هناك من أمل أو رجاء في صحوة حكومية جادة، ولذلك فإن أهم نصيحة نقدمها إلى المسؤولين في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب هي ضرورة إجراء فحوص فنية شاملة للمباني الجديدة، فالجزء المنهار في الموقع هو السرداب الذي يفترض أن يكون المكان الأكثر صلابة وقوة، ووجود انهيارين متتاليين على طول المبنى يعكس خللاً معمارياً وهندسياً رئيسياً، وقد يمتد إلى بقية المباني والمنشآت القائمة على أساسه، وبمعنى آخر كل المبنى بحاجة إلى تقييم إنشائي دقيق تحسباً لوقوع كارثة لا تحمد عقباها، أو يسقط "التطبيقي" تحت الأنقاض!الشركة المنفذة بالتأكيد لديها الاستعداد التام للقيام بالواجب، إحساساً بالمسؤولية وكإثبات لحماية أرواح الناس، ولكن بمناقصة "مليونية" أخرى لتثبت مجدداً أنها الأكفأ للقيام بهذا الدور الإنساني، ومن أجل مصلحة الكويت وشعب الكويت الوفي والمطيع!
مقالات
«التطبيقي»... تحت الأنقاض!
22-07-2016