أغلبنا قرأ عن عجائب اللغة العربية، وقرأنا بيت الشعر القائل: مَـوَدَّتُـهُ تَـدُومُ لِـكُلِّ هَـوْلٍ
وَهَـلْ كُـلٌّ مَـوَدَّتُـهُ تَـدُومُ فقراءته من اليمين ومن الشمال بذات المعنى وبنفس الألفاظ، وقرأنا بيت المدح الذي يقول شاعره:باهي المراحم لابس كرماً قدير مسند الذي يتحول مدحه إلى ذم في حال قرئ من الشمال ليصبح: دنس مريد قامركسب المحارم لا يهاب قرأنا وتعجبنا من أسماء الأسد الخمسمئة، والسيف الخمسين، ومعاني كلمة العجوز الستين وغيرها، ولكن هناك عجيبة لغوية وحيدة قد لا يعرفها أغلبكم، ولا تلامون في هذا، فهي جديدة وبـ"قراطيسها" ولم تظهر إلا قبل خمس سنوات تقريباً.هذه العجيبة اللغوية ممكن أن نسميها قلب "أولالاااه" المدح لنص ما إلى "ويييع" الذم بمجرد ذكر الأسماء، ولتوضيح ذلك سأعطيكم هذا النص كمثال: "بلد كان اقتصاده قبل سنوات قليلة تعد بالأصابع يترنح تحت وطأة ديون مليارية هائلة، أغلب قراه في الريف لم تصل إليها الكهرباء، ولم يسمع أهلها عن طرق الإسفلت، موظفوه لا تتجاوز رواتبهم أجر عامل كانتين عندنا في إدارة حكومية، الخدمات التعليمية والصحية تحت خط "الطناش" والإهمال، الديمقراطية تمارس فيه تحت وصاية العسكر، يتثاءب جنرالٌ ما فتحل البرلمانات المنتخبة، وترمي مؤسسات الدولة على الحكومات يمين الطلاق، ويغضب جنرالٌ ما فيذهب الآلاف من النخب والسياسيين وراء الشمس على الدرجة السياحية لحذاء أصغر شاويش في الجيش.هذا البلد تحول اليوم إلى نمر اقتصادي واعد، السادس في اقتصادات أوروبا، والسابع عشر على مستوى العالم، الجامعات والمدارس فيه أكثر من الهمّ على قلب إبليس حينما يتذكر الجنة، تضاعفت الرواتب فيه أربعة أضعاف، ومدت الدولة جناح رحمتها نحو القرى المنسية، فعرفت الكهرباء والطرق، وأمدتها بمختلف الخدمات الصحية والتعليمية، كما أصبح اختيار الشعب مقدساً، وصارت صناديق الاقتراع محراب الإرادة الشعبية الأوحد. إن قال الشعب "لا" فليس للعسكر إلا أن يقولوا "والنعم"، وهات واحد شاي يا جنرال، وإن فكّر ذاك الجنرال بالتثاؤب فليشدّ اللحاف ولينم وليحلم كما يشاء، وإن غضب ذاك الجنرال فليشرب ينسوناً وليبلع العافية، فما عاد الشعب يهمه تثاؤب أو غضب، وما عاد يخيفه ما وراء الشمس، بل صار ينظر في عينها مباشرة، ويقول: هاتي أشعتك لا تخافي، فأنا اليوم قمرك أعكس شعاعك لأنير ظلام ليالي المجد".نص كهذا لا شك سيحوز علامة "الأولالا" الكاملة بسهولة، ولكن إن أضيفت له كلمات كحزب العدالة والتنمية أو إردوغان فستنقلب "الأولالا"عند بعض القوم بلحظة إلى "ويييع" ذم، رغم أن النص هو ذاته يتكلم عن تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية وقائده إردوغان، ولم يتغير فيه مؤشر اقتصاد أو تنمية أو ديمقراطية، ولم يتبدل حرف واحد فيه أمام محكمة الحقيقة من شاهد عدل إلى شاهد زور، الأحرف هي هي، والكلمات هي هي، والشواهد هي هي، لكنها عجائب إردوغان اللغوية ولأجل إردوغان ألف "أولالاااه" تُفرم وتسحق تحت سنابك "ويييع" بعض قومنا.
مقالات - اضافات
خارج السرب: عجائب إردوغان اللغوية
23-07-2016