في السنة الماضية كان سونر توفان يجهد من أجل تلبية الطلب المتزايد على الرحلات السياحية التي تتطلب أدِلاّء للتعريف بمعالم إسطنبول، وقرر التوسع والانتقال الى مكاتب أوسع جديدة، ويتنهد شريكه في العمل علي امراح متحسراً: "تلك كانت فترة الانتعاش والازدهار والطفرة اذا صح التعبير"، وعلى الرغم من أنهما يديران واحدة من أكبر شركات الأدلاء السياحيين من حيث التصنيف في اسطنبول فقد شهدا تراجع الطلب اليومي من 20 او 30 رحلة يومياً الى 3 أو 4 فقط في أعقاب الهجمات التي استهدفت مطار أتاتورك في الآونة الأخيرة، ويبدو أن توسعهما كان خطأ غير متوقع وهما يقولان إن العديد من الأدلاء السياحيين يبحثون عن عمل جديد الآن.ويظهر انكماش النشاط السياحي في تركيا بشكل واضح في المواقع والفنادق المهجورة والخالية ولكن ذلك لم يشمل حتى الآن الاحصائيات الاقتصادية التركية، وسبق أن أعادت البنوك هيكلة قروض الى تلك الصناعة ولكن معدلات القروض عديمة الأداء سوف تبدأ بالارتفاع في السنة المقبلة، بحسب اوزلم ديريشي من بنك دنزي، كما أن تأثير ذلك التطور على الحساب الجاري في تركيا – عوائد العام الماضي من السياحة سددت ما يصل الى نصف عجز تركيا التجاري في البضائع – سوف يصبح أكثر وضوحاً مع تقدم الموسم السياحي في فصل الصيف.
ويقول نيهان ضياء ايردم من بنك غارانتي إن هذا التباطؤ يمكن أن يشطب ما يصل الى نقطة مئوية واحدة من معدلات النمو في هذه السنة.
أنباء سيئة لإردوغان
تلك أنباء سيئة بالنسبة الى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وذلك لأن معدل النمو كما هو في الوقت الراهن قد شهد تباطؤاً من 7 إلى 8 في المئة في السنة عندما كان رئيساً للوزراء، والتحسن النسبي الذي بلغ 4.5 في المئة في الربع الأول من هذه السنة يرجع الى حد كبير الى رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 في المئة في الأول من شهر يناير الماضي والذي أفضى الى زيادة انفاق المستهلكين – فيما يتوقع صندوق النقد الدولي هبوطاً في معدلات النمو يصل الى 3.5 في المئة بحلول عام 2018.وعلى أي حال تجدر الاشارة الى أن العجز في الحساب الجاري في تركيا قد أصبح كبيراً وثابتاً كما أن الهبوط في أسعار النفط وتراجع الطلب على استيراد السلع الاخرى بسبب ضعف الليرة التركية قد ساعد على ابقاء معدلات ذلك الطلب عند 4.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في سنة 2015، ولكن نافذ سوك من شركة أكسفورد ايكونوميكس الاستشارية يتوقع أن يفضي الانكماش في قطاع السياحة الى تحقيق عجز في الحساب الجاري التركي بنسبة 5 في المئة خلال العام الحالي و5.4 في المئة في سنة 2017.تطورات مثيرة للقلق
ومن شأن هذه التطورات أن تثير درجة من القلق لأنها تفضي الى جعل تركيا معتمدة على المقرضين والمستثمرين الأجانب من أجل تغطية فواتير الاستيراد، وقد ارتفعت ديون تركيا الخارجية بسرعة من 38 في المئة في سنة 2008 الى 55 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في سنة 2015، كما أن أكثر من 90 في المئة من تلك الديون هي بالعملة الأجنبية وليست بالليرة التركية، وينطوي المزيد من الخفض في قيمة الليرة على خطر حدوث تباين بين ما تستطيع الشركات نيله وما تستطيع تحمله. واذا شعر الأجانب بخوف فإن عمليات التمويل قد تتبخر. ولكن على الرغم من ذلك كله فإن الاقتصاد التركي لا يبدو عند حافة الأزمة، ومعظم الشركات التي تقترض بالعملة الأجنبية تحصل على قروض طويلة الأجل كما يلاحظ السيد سوك، والعديد من تلك الشركات – كما هو الحال بالنسبة الى شركات الطاقة والعقار – تقوم بتسعير منتجاتها بالدولار وتوفر بذلك نوعاً من التحوط ضد مزيد من الخفض في قيمة العملة، واضافة الى ذلك فإن الارتفاع المتوقع في معدلات الفائدة في العالم الغني – والذي يمكن أن يفضي الى سحب رأس المال من الأسواق الناشئة قد تأجل من جديد في أعقاب قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي والتباطؤ في الاقتصاد العالمي. وتجدر الإشارة الى وجود الكثير مما يمكن القيام به من أجل تحسين النمو بما في ذلك الغاء قوانين التسريح من العمل التي تثبط خطوات التوظيف، وتحسين نوعية التعليم اضافة الى اجراءات اخرى في هذا الصدد. ويذكر أن الاستثمار انكمش في الربع الأول من هذه السنة واحياء ذلك المسار سوف يتطلب درجة أكبر كثيراً من الاستقرار السياسي والاقتصادي، بحسب زموروت ايماماغولو من اللوبي التجاري الرئيسي في تركيا المعروف بإسم توسياد TUSIAD. كما أن من شأن رفع معدلات التوفير المتدنية بشدة خفض اعتماد تركيا على الأجانب، ومن دون مثل تلك الاصلاحات سوف يتعثر النمو بشكل محتم عند نقطة ما، بحسب ايماماغولو.ولكن على الرغم من ذلك كله، فإن خطابات الرئيس التركي تشير الى رغبة في القيام باصلاحات سريعة بدلاً من اصلاحات متأنية وراسخة، وقد انتقد اردوغان علانية البنك المركزي التركي (المستقل نظرياً) بسبب ابقائه معدلات الفائدة عالية جداً كما اتهم اللوبي الغامض الساعي الى التلاعب بمعدلات الفائدة بالعمل على خنق الاستثمارات. واضافة الى ذلك أشار اردوغان الى أن معدلات الفائدة المتدنية سوف تفضي الى خفض التضخم وهو ما يعاكس تماماً النظرة الاقتصادية التقليدية.ومن سوء الحظ، يبدو أن موقف الرئيس التركي قد أثر على تصرفات البنك المركزي في تركيا، وقد ارتفع معدل التضخم السنوي في ذلك البلد الى 7.6 في المئة خلال شهر يونيو الماضي، وهو معدل أعلى كثيراً من الهدف الرسمي البالغ 5 في المئة. وعلى الرغم من ذلك عمد البنك المركزي التركي الى تيسير وتخفيف سياسته النقدية خلال الشهور القليلة الماضية بحجة تبسيط نظام معدلات الفائدة المعقد. وقد وجد جودت أكاي من بنك يابي كريدي في تركيا أن التضخم أصبح أقل استجابة ازاء السياسة النقدية، ومن شأن ذلك أن يجعل العودة الى معدل تضخم أدنى أكثر صعوبة من دون تحقيق رفع حاد في معدلات الفائدة وهو ما سوف يلحق الضرر بالاقتصاد التركي.وبدلاً من تحسين مناخ الاستثمار بصورة أوسع يقوم اردوغان ببعثرة المساعدات والاعفاءات الضريبية، وفي 28 يونيو الماضي أعلنت الحكومة التركية حزمة من تحسين الاستثمارات شملت – ضمن خطوات اخرى – الاعفاء من ضريبة العقارات للاستثمارات وخفض رسوم الطوابع على العقود اضافة الى المساعدات الخاصة بالبحث والتطوير، وبالنسبة الى الوقت الراهن تظل الميزانية في خانة الفائض الأولي، أي ما قبل دفع الفوائد، وفي غضون ذلك يتعثر في البرلمان مشروع قانون يهدف الى تحسين عمليات تحصيل الضرائب.من جهة أخرى، يقر نائب رئيس مجلس الوزراء التركي محمد سيمسك بأن الدورة الانتخابية كانت تقف في طريق الإصلاح طوال السنوات القليلة الماضية، ولكنه يجادل في أن الحكومة وبعيداً عن الكلمات الرنانة والبلاغية سوف تستمر في الضغط من أجل تحقيق المزيد من الاجراءات الجوهرية، وهو يقول إن الاصلاح الضريبي يجب أن يتحول الى قانون في نهاية المطاف وذلك في اطار ادراج السياسة الجديدة لمزيد من المواطنين ضمن برامج التقاعد بصورة آلية وهو ما سوف يفضي الى تحسين التوفير الخاص، كما يشير الى أن نجاح الحكومة في تطبيق الاصلاحات سوف يعيد تركيا الى مربع النمو العالي.