يتعين أن تمثل هذه الصورة نقطة واضحة الى أبعد حد ممكن، فسيظل النمو الصيني قوياً بعدما توسع اقتصاد ذلك البلد بنسبة 6.7 في المئة محسوبة على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري بحسب معلومات نشرت في الأسبوع الماضي وبوتيرة مماثلة لما شهده الربع الأول. وبعد نجاة ذلك الاقتصاد من انهيار أسواق الأسهم في العام الماضي والخفض المفاجئ في قيمة اليوان الصيني توقع العديد من الخبراء أن يشهد ذلك الاقتصاد حالة من الضعف في هذه السنة. ومضى كبير الاقتصاديين في "سيتي غروب" ويلم بويتر الى حد التحدث عن تعرض الصين الى ركود اقتصادي في منتصف العام الحالي، ولكن مجلة الايكونوميست كانت أكثر تفاؤلاً ازاء احتمالات نمو الاقتصاد الصيني في هذه السنة، وربما في الأجل الطويل أيضاً، ويبدو حتى الآن على الأقل أن ذلك الاقتصاد يتسم بتماسك وثبات.
وتبدو دقة تلك المعلومات موضع شك كما هو الحال دائماً، وكانت هناك على الدوام أدلة على أن حكومة بكين تعمل على تحسين اتجاهات النمو بمرور الوقت، وفي السنة الماضية بدت كأنها تغير من قواعد اللعبة في ميدان الناتج المحلي الاجمالي، وتسعى بشكل فعلي الى اظهار النمو الحقيقي في صورة تفوق ما هو عليه في الحقيقة، ولكن التغير في مؤشر خفض الأسعار ارتبط الى حد كبير بتحركات الأسعار في الاقتصاد، ما يشير الى أن النمو قد أصبح أقرب الى الواقع بقدر يفوق ما كان عليه في السنة الماضية ولو بقدر ضئيل.والأكثر من ذلك أن هناك طائفة من المؤشرات البديلة التي تدعم وجهة النظر هذه؛ فقد ارتفعت بشدة استثمارات البنية التحتية، كما شهد النصف الأول من هذه السنة تحسناً قوياً في سوق العقار وفي الاستهلاك الشخصي في كل شيء من السيارات الى السفر.ويتمثل القلق ازاء النمو الاقتصادي في الصين في الوقت الراهن ليس في ما اذا كان زائفاً بل في كون محرك الاستثمار غير متوازن الى درجة مخيفة، وتشكل الاستثمارات ما يصل الى حوالي نصف الناتج المحلي الاجمالي، وخلال الأشهر القليلة الماضية كان ذلك النمو مدفوعاً بصورة تامة تقريباً من جانب الدولة، وكان التباطؤ في استثمارات القطاع الخاص مثيراً للدهشة واختلف من نمو فاق أكثر من 40 في المئة في عام 2011 الى مجرد 2.8 في المئة في النصف الأول من هذه السنة. وقد ابتليت شريحة واسعة من الصناعات بزيادة في السعة وعمدت الى تخزين النقد، وتدخلت الدولة في هذه العملية وضخت استثمارات بأكثر من 20 في المئة في هذه السنة اي ضعف وتيرة سنة 2011، ومن دون هذا الاجراء الحكومي المؤثر كان الاقتصاد سيتأثر بشدة كبيرة.
في الأجل القصير
وفي الأجل القصير قد يكون من الصعب انتقاد الصين لقيامها بهذا العمل، وإذا كانت لدى حكومة بكين القدرة على دعم الاقتصاد – وهو ما تقوم به من خلال بقاء العجز المالي عند حوالي 3 في المئة فقط من الناتج المحلي الاجمالي – فلماذا تدع ذلك الاقتصاد يهبط الى مربع الركود كما كان بويتر يخشى؟ ويعتبر الانفاق الواسع من جانب الحكومة على الأنفاق والصرف الصحي والاسكان وسيلة غير مجدية لدفع الاقتصاد الى الأمام في هذه الأيام.ويتمثل القلق، على أي حال، في كون الأسلوب الحكومي غير مستدام كما أن الشركات المملوكة للدولة التي تقود حملة الاستثمارات مدينة بصورة كبيرة، وهي أقل كفاءة من نظيراتها في القطاع الخاص، ومن خلال الاعتماد على الشركات الأقل انتاجية أصبح الاقتصاد الاجمالي أقل انتاجاً، ويقول هاريسون هيو الاقتصادي في رويال بنك اوف سكوتلاند إن "نمو النموذج الصيني اصبح أكثر تكلفة ".ويشير السيناريو الأكثر تفاؤلاً الى أن هذا التحول في الاستثمار الذي تقوده الدولة مؤقت فقط وأن الحكومة سوف تتراجع عندما تكتشف الشركات مكمن مصالحها، وقد كان أداء الشركات الخاصة جيداً في موازنة مستوياتها من الديون في السنوات القليلة الماضية وأعطى ميزانيات تلك الشركات الفرصة لزيادة انفاقها، وإضافة الى ذلك فإن التحسن في نمو الأرباح في الشهور الأخيرة يشكل اشارة على انتعاش الاستثمارات.ولكن النظرة الأكثر تشاؤماً تقول إن مشاكل الشركات الخاصة هي أعمق من مجرد الرغبات الجامحة كما أن الاصلاحات التي شهدها القطاع الحكومي قيدت بشدة الميادين التي تأمل فيها بتحقيق نمو، وقد خرجت قطاعات المال والطاقة والاتصالات والنقل عن السيطرة بشكل فعلي. والأكثر من ذلك ان المجالات التي تستطيع العمل فيها لا تزال تعاني من زيادة السعة، والزيادة في مخزون المنازل غير المبيعة تفسر السبب وراء تباطؤ الاستثمار العقاري على الرغم من ارتفاع المبيعات في النصف الأول من هذا العام.وإذا كانت هذه النظرة المتشائمة صحيحة فإن الأمر سوف يحتاج الى أكثر من مجرد ضخ أموال من أجل اطلاق وتنشيط القطاع الخاص، وسوف يتعين على الصين التوجه نحو العمل الصعب المتمثل في غربلة شركات الدولة التي تعاني كسلاً وتباطؤا، ولكن فيما نحن على ثقة في التنبؤ بأن النمو سوف يحقق أداء جيداً في هذه السنة فإن الفكرة التي تتحدث عن اصلاح القطاع الحكومي في الصين هي أمل كاذب بقدر يفوق التنبؤ في هذه المرحلة.