تعززت مخاوف المصريين من انفلات أسعار السلع الأساسية، وهم يتابعون أخبار تراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، الذي حلق عالياً مقتربا من تجاوز حاجز 12 جنيها أمس الجمعة، ملقيا بمزيد من الأعباء على المواطن البسيط، في وقت لا تظهر أي مؤشرات إيجابية على قدرة الاقتصاد المصري على التعافي من أزمته المستمرة منذ سنوات، ما جعل مراقبين يحذرون من تفاقم حدة الأزمة خلال الأشهر المقبلة، إذا ما استمر نزيف الجنيه بصورة دراماتيكية.ويبلغ السعر الرسمي للجنيه داخل البنوك 8.78 جنيه للبيع، و8.88 جنيه للشراء، إلا أن البنك المركزي المصري فشل عبر عطاءات استثنائية خلال الأشهر الماضية في تلبية احتياجات السوق المحلي، في ظل اعتماد الاقتصاد المصري على الاستيراد بصورة أساسية، ما ساهم في ازدهار السوق الموازي، خاصة أن تصريحات محافظ البنك المركزي طارق عامر الأخيرة أعطت انطباعا بتخفيض رسمي في قيمة الجنيه قريبا.
ورغم مساعدات بالمليارات من السعودية والإمارات والكويت خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن الاحتياطي النقدي المصري من العملة الأجنبية لم يتجاوز حاجز الـ 18 مليار دولار، في ظل انكماش مداخيل العملة الصعبة، إذ يواجه قطاع السياحة - الذي كان يوفر نحو 23 مليار دولار سنويا - تراجعا منذ ثورة يناير 2011، تعزز بسقوط الطائرة الروسية في سيناء خلال أكتوبر الماضي، كما تراجعت معدلات تحويلات المصريين في الخارج من العملة الصعبة إلى الداخل.
تحركات حكومية
ومع تململ الشارع المصري من زيادة الأسعار، وتحميله حكومة شريف إسماعيل تدهور الأوضاع اقتصاديا، كشف مصدر حكومي رفيع المستوى لـ "الجريدة"، أن إسماعيل شكل خلية أزمة تضم وزراء المالية والاستثمار والتعاون الدولي، ومحافظ البنك المركزي، ورؤساء بنوك مصرية، وأن إسماعيل اجتمع بوزير المالية عمرو الجارحي، ومحافظ البنك المركزي مساء الخميس الماضي، لمتابعة الموقف.وأشار المصدر، الذي اشترط عدم نشر اسمه، إلى أن اللجنة القانونية التابعة لمجلس الوزراء تعكف حاليا على صياغة تشريعات جديدة تمنع التلاعب في أسعار الدولار، وتغلظ العقوبة، فضلا عن بحث إمكان فتح شركات صرافة تابعة للبنوك، بهدف فرض سعر صرف موحد على الجميع، ومعاقبة شركات الصرافة بالغلق الفوري، وزيادة حجم الغرامة المالية على أصحابها.وقال المصدر إن شركات أجنبية أرسلت لرئيس الوزراء مذكرات عاجلة لتوفير الدولار خلال الأيام المقبلة، لأنها تواجه أزمة كبيرة في توفير العملة الصعبة المستخدمة في عملية الاستيراد، ما يهددها بتوقف خطوط الإنتاج، فضلا عن صعوبات تواجه الشركات الأجنبية في تحويل أرباحها إلى الخارج نتيجة النقص الحاد في الدولار، وهددت بعض الشركات الأجنبية بالانسحاب من السوق المصري إذا ما لم تنجح القاهرة في توفير الدولار خلال ثلاثة أشهر.في السياق، قال مصدر مسؤول بوزارة المالية لـ"الجريدة"، إن الحكومة المصرية تبحث فرض ضرائب بالدولار على الواردات المقبلة من الخارج، في إطار مساعي توفير العملة الصعبة، وأنه سيتم مراجعة عدد من الإجراءات لإجبار بعض الهيئات على التعامل بالجنيه المصري، بما فيها المدارس والجامعات الدولية، فضلا عن إخطار تجار السيارات بتسديد جزء من ضرائبهم بالعملة الصعبة.ومع تصاعد أزمة الدولار، بدأ الحديث عن مصير محافظ البنك المركزي طارق عامر، إذ علمت "الجريدة"، أنه في حال انفلات سعر صرف الدولار وتأثير ذلك سلبا على الأسعار، ربما يستقيل عامر، الذي تولى في أكتوبر الماضي، نتيجة فشله في السيطرة على سعر الصرف، وأن هناك قائمة تضم عددا من الأسماء المطروحة لتولي المنصب، منها إعادة تعيين محافظ البنك السابق، فاروق العقدة، إضافة لطرح أسماء عضو مجلس إدارة البنك المركزي، كمال أبوالخير، ونائب محافظ البنك المركزي، جمال نجم، ورئيس هيئة الرقابة المالية، شريف سامي.وبينما منيت البورصة المصرية خلال تعاملات الأسبوع الماضي بخسائر بلغت نحو 4.9 مليارات جنيه على وقع انخفاض قيمة العملة المحلية، وجه نواب بالبرلمان المصري انتقادات حادة للحكومة، ما عبر عنه وكيل لجنة الصناعة، محمد بدراوي، قائلا إن القرارات الخاطئة للحكومة السبب الرئيس في ما وصل إليه الجنيه، مشيرا إلى أن تأثيرات سلبية ستطول المواطن لا محالة، في ظل القفزات المهولة في معدلات التضخم والسلع وثيقة الصلة باحتياجات المواطنين من أغذية وأجهزة كهربائية.وعلى صعيد تحليل الأزمة اقتصادياً، أكد الخبير الاقتصادي رشاد عبده لـ"الجريدة"، أن الدولار سلعة يزداد عليها الطلب نظرا لقلة المعروض، متوقعا أن يتم تعويم الجنيه قريبا، محذرا من تداعيات ذلك على محدودي الدخل مع ارتفاع معدلات التضخم، واستغلال التجار ارتباك الحكومة والبنك المركزي لرفع أسعار السلع بصورة مبالغ فيها، وتابع: "الحديث عن رفع الرواتب لن يحل الأزمة، لأن رفعها دون وجود ضوابط ورقابة على السوق، سيؤدي إلى زيادة إضافية للأسعار تلتهم أي زيادة مقترحة".القمة العربية
عربيا، يتوجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط مساء غد الأحد، لرئاسة وفد بلاده في القمة العربية العادية في دورتها الـ 27، التي تنطلق بعد غد الاثنين، والتي يسلم خلالها رئاسة القمة إلى موريتانيا، وعلمت "الجريدة"، أن الاجتماعات التحضيرية لم تتطرق إلى ملف إنشاء القوة العربية المشتركة التي أقرت في قمة شرم الشيخ خلال مارس 2015، بناء على اقتراح من الرئيس المصري، وقال مصدر مطلع إن "حسم تشكيل القوة المشتركة، سيكون بعيدا عن القمة العربية"، في إشارة إلى ضرورة موافقة الرياض التي لم تتحمس لإنشاء القوة العربية.