مفارقات صارخة في سوق السندات السيادية العالمية

ديون العالم المتقدم بلغت رقماً قياسياً يهدد بكارثة غير مسبوقة

نشر في 23-07-2016
آخر تحديث 23-07-2016 | 00:04
No Image Caption
مع استيعاب الأسواق لأنباء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لامست العوائد على سندات الخزانة لعشر سنوات 1.32 في المئة في السادس من شهر يوليو الجاري، وهو أدنى معدل مسجل منذ سنة 1792، قبل أن يعاود الصعود الى مستويات لا تزال متدنية عند 1.5 في المئة.
الطريقة التي يتحدث فيها دوغلاس بيبلز عن سوق السندات العالمية التي تبلغ قيمتها نحو 100 تريليون دولار لن تدفعك الى الظن بأن مستثمري السندات كانوا في مسار رابح. ويقول بيبلز وهو مسؤول الاستثمار الرئيسي للدخل المحدود لدى شركة ألايانس بيرنستين Alliance Bernstein «السوق في معظم الدول مصاب بخلل وظيفي تام».

وإذا كان بيبلز يبدو قلقاً فذلك لأن هذا السوق دفعه مع نظرائه الى منطقة مجهولة. ومع استيعاب الأسواق لأنباء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لامست العوائد على سندات الخزانة لعشر سنوات 1.32 في المئة في السادس من شهر يوليو الجاري وهو أدنى معدل مسجل منذ سنة 1792، قبل أن يعاود الصعود الى مستويات لا تزال متدنية عند 1.5 في المئة. والمثير للإرباك والتشويش أن هبوط العوائد يعني ارتفاع أسعار السندات في السوق. وهكذا فإن العناوين الرئيسية التي تحدثت عن «معدلات متدنية قياسية» تخفي ما كان مساراً صاعداً: قفزت أسعار سندات الخزانة لعشر سنوات بنحو 7 في المئة حتى الآن في هذه السنة – وهي نسبة ليست سيئة لاستثمار محافظ بشكل تقليدي– كما ارتفعت سندات الـ 30 سنة بنسبة 17 في المئة. وبشكل إجمالي قدمت سندات الحكومة الأميركية 660 مليار دولار مكاسب إلى المستثمرين في هذه السنة.

هبطت العوائد بقدر أكبر في خارج الولايات المتحدة. ويوجد حوالي 10 تريليونات دولار من الديون السلبية العائد بما في ذلك سندات لعشر سنوات لألمانيا واليابان وسويسرا، ويعني ذلك أن المستثمرين يريدون تلك السندات بشدة بحيث يدفعون من أجل ميزة امتلاكها.

ما السبب الذي يجعل المرء يدفع أموالاً من أجل شراء سندات ذات معدلات فائدة سالبة؟ بالنسبة الى بعض المستثمرين تستحق العملية ذلك لأنها تعني الاحتفاظ بالمال في مكان آمن. وفي وسع المتداولين تحقيق ربح اذا هبطت العوائد بقدر أكبر الى المنطقة السالبة، ما يرفع من قيمة السندات التي يشترونها الآن. وعلى الرغم من ذلك يشعر العديد من محترفي سوق السندات بالحيرة إزاء المعدلات السلبية.

وتبعث العوائد المتدنية برسائل قاتمة جداً حول المستقبل. وأسعار اليوم العالية والعوائد الزهيدة تؤشر إلى تحقيق عوائد متدنية في السنوات المقبلة. كما يبدو أن المستثمرين الذين يقبلون مثل هذه المعدلات ليسوا قلقين ازاء خطر التضخم العالي الذي يبدد قيمة أموالهم، فهم يرون أن ضعف انفاق المستهلكين وتباطؤ النمو الاقتصادي مستمران الى ما لا نهاية.

الإقبال على السندات

ويقول بيل آيرفنغ الذي يدير ما قيمته 40 مليار دولار من سندات الحكومة والرهن العقاري في شركة فيديلتي Fidelity Investments «يوجد شعور غير مريح بأننا في عالم نمو متدن وربما يستمر ليصبح أكثر سوءاً. ولذلك يوجد طلب على السندات».

تتجه الأموال في العادة نحو سندات الخزانة خلال أوقات عدم اليقين لأن تلك السندات تعتبر ضمن الأصول المالية الأكثر أماناً في العالم عندما يحتفظ بها حتى موعد الاستحقاق. وتوجد موجة من الشكوك: يوجد إلى جانب البريكست ومستقبل الاتحاد الأوروبي المظلم التباطؤ الاقتصادي في الصين وهبوط أسعار النفط وتأرجح البنوك في ايطاليا. وعلى الرغم من ذلك فإن الاقتصاد الأميركي ينمو كما هبطت معدلات البطالة الى مستويات لم نشهدها منذ سنة 2007. وقد وصل مؤشر داو جونز الصناعي أخيراً الى مستوى قياسي- وتوجد قوى أخرى تعمل في سوق السندات في الولايات المتحدة الى جانب التشاؤم.

ويتمثل أحد تلك القوى في تطلع مديري التقاعد في الولايات المتحدة الى تمويل ديونهم الطويلة الأجل عبر أصول أقل مجازفة. ويقوم المشترون الأجانب بشراء سندات الخزينة أيضاً مع استمرار البنوك المركزية في أوروبا واليابان بإبقاء المعدلات متدنية من خلال شراء سندات بلادهم. ويقول جي يون وهو كبير مديري الاستثمار في شركة نيويورك لايف انفستمنت مانجمنت New York Life Investment Management «لم يعد في وسعك النظر الى أميركا في عزلة. ويتعين عليك أن ترى كم غدت السندات الأميركية لثلاثين سنة أكثر جاذبية مقابل السندات اليابانية والأوروبية».

ويطلب المستثمرون بصورة عامة معدلات أعلى في مقابل حجز أموالهم لفترات طويلة من الزمن. وأسعار السندات لمدة طويلة يمكن أن ترتفع وأن تهبط بحدة رداً على التغيرات في معدلات الفائدة السائدة. ولهذا السبب حققت سندات الخزينة الأميركية الأطول أجلاً أداء جيداً بصورة خاصة في هذه السنة. وكان في وسع مستثمر في صندوق تحقيق 16.7 في المئة من خلال صندوق خزينة فانغارد للأجل الطويل Vanguard Long-Term Treasury Fund مقارنة مع نحو 6.5 في المئة في اس&بي 500.

ولم يكن من السهل توقع مثل تلك العوائد. والعديد من مديري صناديق التحوط لم يتمكنوا من الرهان بقوة على سندات الخزينة لاعتقادهم بأن من الأكثر احتمالاً أن ترتفع المعدلات لا أن تظل في انخفاض من مثل تلك المستويات المتدنية. وقد وجد محللو وول ستريت أنفسهم عاجزين عن المواكبة. وخفض ستيفن ستانلي وهو كبير الاقتصاديين لدى أمهرست بيربونت سيكيوريتيزِAmherst Pierpont Securities توقعاته لسندات الخزانة لعشر سنوات، خمس مرات في هذه السنة، وهو يقول «حاولت جاهداً معرفة عوائد السندات في هذه السنة».

الخيال العلمي

ويصف بيل غروس من جانوس غلوبال أنكونستريند بوند فند Janus Global Unconstrained Bond Fund بيئة معدلات الفائدة المتدنية الراهنة بالخيال العلمي الصرف. ويقول «إنها أشبه بثقب مالي أسود». ولا يوافقه آيرفنغ من فيديلتي الرأي، اذ يرى أن « الديون الاجمالية في العالم المتقدم قد بلغت مستويات عالية جداً. ويجب إبقاء العوائد متدنية من أجل اعادة تمويل تلك الديون، وإلا سوف يحدث تخلف عن السداد وخسائر قياسية للغاية».

back to top