خطاب دونالد ترامب الذي ألقاه في نهاية أعمال مؤتمر الحزب الجمهوري، الذي عقد على مدى أربعة أيام في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، وصفه المعلقون المعادون للمرشح الجمهوري، ووسائل إعلام عدة، بأنه من أكثر الخطابات المثيرة للخوف والمعززة للانقسام بين الأميركيين منذ أكثر من 40 عاماً.

خطاب القبول بترشيح الحزب، الذي استغرق نحو ساعة وتسع عشرة دقيقة، واعتبر الأطول في تاريخ المؤتمرات الحزبية، نجح فيه ترامب في نقل الحزب الجمهوري من ضفة إلى أخرى، من دون أن تجمع قياداته على قراءة موحدة لمستقبل حزب إبراهام لنكولن، الذي قاد حركة تحرير العبيد وناهض حركة التمييز العنصري البيضاء أو «كو كلاكس كلان».

Ad

وصور ترامب الولايات المتحدة كأنها تعيش في حال حرب داخلية وخارجية، وأن أعداءها متربصون بها، بينما هي عاجزة ولا حول لها ولا قوة، تتقاذفها قبضات بضعة خارجين عن القانون أو بعض الهاربين أو المتهربين.

بدأ المرشح الجمهوري، المثير للجدل، خطابه بالقول إن المهمة الأولى التي سينجزها هي إعادة سلطة القانون والنظام إلى البلاد. بدا للوهلة الأولى كأنه يتحدث عن أحد بلدان أميركا اللاتينية أو وسط إفريقيا أو الشرق الأوسط، لا عن أميركا. ولم يشرح كيف سيعيد القانون، وبوجه من سيلجأ إلى فرضه.

وأعاد تكرار شعاراته في كيفية إعادة بناء الاقتصاد الذي وصفه بأنه منهار، في حين تقدم الوقائع أرقاماً مختلفة سواء بالنسبة إلى مستوى البطالة التي تراجعت نسبها إلى ما قبل 2005، أو بالنسبة إلى خلق الوظائف التي تزداد شهرياً، بحسب تقارير وزارة العمل، بمعدل لا يقل عن 240 ألف وظيفة، مع مجموع وظائف مستعادة منذ الانهيار الكبير عام 2008 فاقت 14 مليون وظيفة.

لم يوضح كيفية إعادة الاستثمارات التي قال إنها تبتعد، في الوقت الذي تشير تقارير البنك الدولي وكبار مؤسسات الاستثمار إلى أن الولايات المتحدة لاتزال من بين الوجهات الأكثر جذباً للاستثمارات في العالم. وعندما قال إنه سيعيد بعض الشركات الأميركية للعمل فوق الأراضي الأميركية مهدداً بعواقب على من يريد المغادرة، لم يوضح أيضاً خططه لاسترداها، ولم يشرح الحوافز التي سيقدمها.

ودعا ترامب إلى تجديد التفاوض حول بعض الاتفاقات التجارية، ولم يشرح كيف سيدير مفاوضاتها، لكنه حاول استغلال خلاف بيرني ساندرز مع منافسته هيلاري كلينتون للعب على وتر المستقلين واستمالتهم حول هذا الموضوع، قائلاً، إن موقفه متماثل معه ومع جمهوره في إلغاء تلك الاتفاقات، من «نافتا» التي وقعت زمن الرئيس الأسبق بيل كلينتون إلى «كافتا» التي وقعها الرئيس باراك أوباما أخيراً.

ورغم ابتعاده عن أسلوبه الساخر والمهين لخصومه، وعدم توجيه تعابير مبتذلة بحقها، فإن كلينتون تعرضت لأوسع وأقسى انتقاد منه، واصفاً إياها برمز الفشل، الذي تعانيه الولايات المتحدة في كل شيء، من «انهيار الاقتصاد»، إلى فشل تجديد البنى التحتية، إلى «خسارة أميركا الحرب مع التطرف»، وولادة «داعش»، إلى انهيار ليبيا، وتفتت العراق، واندلاع الحرب الأهلية في سورية.

وتلاعب بأرقام اللاجئين، قائلاً، إن كلينتون وأوباما يسعيان إلى مضاعفة عدد السوريين اللاجئين إلى أميركا 550 مرة، علماً بأن أرقام الأمم المتحدة، ودائرة الهجرة في الولايات المتحدة، أفادت بأنه لم يجر استقبال أكثر من 1670 لاجئاً سورياً هذا العام، بينما حصتها الدولية تبلغ 10000 لاجئ.

وكرر ترامب دعوته إلى منع دخول المسلمين، دون أن يسميهم مباشرة هذه المرة، إلى أن يتم «تقدير الموقف ومعرفة ما الذي يجري».

وجدد موقفه من العلاقة مع حلف شمال الأطلسي، ورهن حصة بلاده وواجباتها فيه بما يقدمه الآخرون، مؤكداً إلزام البلدان، التي ترغب في الحصول على حماية ودعم الولايات المتحدة بدفع مقابل تلك الخدمات.

وكان لافتاً في خطابه، وعده بتأمين الحماية لمجتمع المثليين والمتحولين جنسياً، من دون أن يلقى وعده أي اعتراض أو استهجان من جمهور موصوف بالمحافظة، والتمسك بالقيم المسيحية عموماً، وهو ما حدا به إلى توجيه التحية لهذا الجمهور، علماً بأن أحد المثليين وهو من رموز «السيليكون فالي» في كاليفورنيا، تحدث أمام المؤتمر قبله بأقل من ساعة ونصف الساعة، معلناً تأييده لترامب، واعتزازه بأنه «مثلي، وجمهوري، وأميركي»، ولقي ترحيباً بدوره من المؤتمرين.

واعتبر معلقون، أن ترامب أراد لعب ورقة المثليين، لسحبها من يد الديمقراطيين، وهاجم ترامب الطبقة السياسية التقليدية، وما أسماه «السيستم»، وضرب مثلاً عن إفشال «السيستم» للمرشح الاشتراكي بيرني ساندرز، مما اعتبر أيضاً محاولة لاستمالة الناخبين الناقمين على السياسيين.

وحاولت ابنته إيفانكا، التي قدمته، وكانت آخر المتحدثين من أبنائه والموصوفة بأنها الأكثر تأثيراً عليه، التأثير على جمهور المستقلين والديمقراطيين والنساء عموماً، عندما أشادت بأن والدها يدفع أجوراً للنساء مساوية للرجال، وأن أكثر من 50 في المئة من كبار موظفيه هم من النساء، مطالبة برفع سقف الحد الأدنى للأجور، وبمنح المرأة حق رعاية طفلها بأجر مدفوع.

وبحسب استطلاع سريع لرد فعل الجمهور، الذي استمع إلى خطاب ترامب داخل المؤتمر، اعتبره 57 في المئة أنه إيجابي، مقابل 24 في المئة أنه سلبي، و18 في المئة غير حاسم.

وبحسب وصف الكثير من المعلقين، فقد نجح ترامب في خطف الحزب الجمهوري وتحويله إلى ما يشبه حزب العائلة، لكن هل ينجح في خطف كرسي الرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل؟ سؤال ينتظر انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي بعد غد، لقياس التوازن السياسي في الولايات المتحدة هذه الأيام.