تعتبر سيولة السوق المالي واحداً من أهم وأبرز المؤشرات التي تشكل مقياساً مهماً للمستثمرين، أفراداً كانوا أو شركات وصناديق مالية، وباتت الأسواق المالية تفطن إلى هذه الميزة، وتعمل على معالجتها بقوة لجذب أكبر قدر من المستثمرين إلى أسواقها من مختلف التوجهات، أفراداً وكيانات محلية وإقليمية وعالمية.

وفي هذا الصدد، تشهد أسواق المنطقة تنافساً، إذ كسر سوق أبوظبي رقماً قياسياً لحجم وعدد حسابات التداول بنهاية النصف الأول من العام الحالي لامس المليون حساب، في حين بلغ سوق الكويت 369 ألف حساب فقط.

Ad

ولعل من الأبعاد التنافسية والاقتصادية، التي يعنيها جذب سوق ما مستثمرين جدداً، استمرار استقطاب السوق لمزيد من الأموال وانعكاس جاذبية السوق وتميز البيئة الاستثمارية فيه، إضافة إلى «سائلية» السوق، ومحافظته على قوة ومستوى ثابت ومتوازن عرضاً وطلباً، ومرونة عالية في الدخول والخروج بيعاً وشراء في أي توقيت، إلى جانب توافر بدائل استثمارية ومالية عديدة تتمتع بمستويات أمان محفزة، مع تنوع كبير للمستثمرين مواطنين وعرباً وخليجيين وأجانب، ومؤسسات وكيانات أجنبية وصناديق إقليمية وعالمية مختلفة، فضلاً عن جذب سيولة ومستثمري الأسواق الأخرى.

ومن بين البيانات الأكثر لفتاً للانتباه حجم الاستثمار الأجنبي المؤسسي في البورصة، حيث بلغت حسابات المؤسسات الأجنبية في البورصة 5000 مؤسسة وشركة وصندوق جميعها كيانات أجنبية.

وتمثل عمليات الأجانب في بورصة أبوظبي نحو 50 في المئة من إجمالي تعاملات المستثمرين المواطنين، ففي حين بلغت تعاملات المواطنين في الربع الثاني من العام الحالي نحو 13.4 مليار درهم، بلغت تعاملات الأجانب 7.4 مليارات درهم أي ما يعادل 55 في المئة.

وفي هذا الصدد، حذرت مصادر مالية واستثمارية من مغبة فقدان بورصة الكويت تدريجياً ريادتها في المنطقة، كأقدم سوق مالي والأعمق تجربة وخبرة، لاسيما أنه حالياً مكتمل الأركان لناحية القوانين التنظيمية والهيئات الرقابية ووضوح الأدوار.

وتشير المصادر، إلى أن ترك السوق لمصيره، «ليموت إكلينيكياً» له أبعاد سلبية كبيرة وخطيرة، إذ إن البورصة تعتبر ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد، كمرآة عاكسة لمجمل الأوضاع.

أيضاً يمثل السوق محوراً مهماً لناحية التمويل، فرغم فقدانه دور التمويل طيلة سنوات الأزمة، حيث بات يصعب لجوء أي مستثمر للتسييل أو طلب تمويل عبر السوق لكن الأسهم، في الجانب الآخر، باتت تفقد زخمها وقوتها كضمان مقابل التمويل التقليدي المباشر من البنوك، إلا في حدود ضيقة جداً ومحدودة.

وتقول أوساط استثمارية، إن مجمل التداعيات الضاغطة على السوق من ضعف في تقييم العديد من الأسهم التقييم العادل، إضافة إلى حالة الخمول السائدة منذ سنوات دون مبادرات سريعة وفعلية لمعالجة هذا الوضع، بات يدفع في اتجاهين، الأول سحب الأسهم من مقصورة الإدراج والثاني الاتجاه إلى أسواق خارجية وأقربها الأسواق الخليجية.

بورصة الكويت

وفيما يخص أعداد الحسابات في سوق الكويت للأوراق المالية، فقد سجلت في النصف الأول من العام الحالي 369.1 ألف حساب، منها فقط نحو 20.263 ألف حساب نشيط تمثل 5.5 في المئة فقط، في حين تبلغ كمية الأسهم الخاملة 337.210 ألف سهم أي ما يعادل 94.5 في المئة وفقاً لنهاية النصف الأول من 2016، في حين بلغ إجمالي الحسابات 369.1 ألفاً.

فقدان السيولة

ويقول رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لشركة الاستشارات المالية الدولية «إيفا» صالح السلمي، إنه في ظل الوضع السيئ، الذي يعيشه سوق الكويت للأوراق المالية، بدا من فقدان المستثمرين لمدخراتهم، وتراجع القيمة السوقية من 65 مليار دينار إلى نحو 24 ملياراً، أنه يتم التحول إلى فرص وأسواق أخرى واعدة ونشيطة.

وقال السلمي، إن البورصة تفتقد حالياً لأحد أهم مقومات أي سوق مالي في العالم، وهي السيولة، ورأى أن بدايات تطبيق القوانين الجديدة، التي استحدثت هي من قادت إلى هكذا وضع، بدليل أن كثيراً ممن تمت معاقبتهم وإحالتهم إلى القضاء، حصلوا على براءات، لكن بعد أن خسروا الكثير من أموالهم، وعلى العكس تماماً من أسواق الإمارات، التي نوجد فيها، وما نراه ممنوعاً لدينا لا نراه ممنوعاً هناك.

وأشار إلى أن أسواق المال في العالم، هدفها واحد، وهو تشجيع المستثمرين على استثمار مدخراتهم في السوق، لأنه ببساطة، الاستثمار في السوق، يعكس الثقة في الاقتصاد الداخلي لأي بلد.

وبين أن ما يضعف السوق الكويتي ومكانته التاريخية لمصلحة أسواق أخرى أيضاً هو عدم التسويق له من جهة، والمساءلات التي تتم عند أي نشاط على أسهم الشركات المدرجة، علماً أن الهدف من إدراج أي شركة، هو تداول أسهمها بين المستثمرين والمتعاملين، فكيف، إذ تم تداول ونشاط على السهم، تتم مساءلة الشركة على هذا النشاط. وذكر أن الجهات الرقابية والمعنية، بما لديها من قوة وسلطة، يجب أن تكون رقابتها لاحقة، وبالقوة التي تمكنها من معالجة أي خلل، من دون المساءلات المستمرة، التي لا تنسجم مع طبيعة السوق من بيع وشراء.

وبين السلمي، أن ما يحدث من تطبيقات في هذا الجانب تحديداً، لا يخدم تسويق السوق المالي الكويتي، ولا دعوة المستثمرين والأفراد للاستثمار فيه، مكرراً تأكيده أن الأساس في أي بورصة هو التداول سواء كان بحجم كبير أم ضئيل.

معالجة مفاهيم

في هذا الشأن، يرى الخبير في أسواق المال محمد الثامر، إن الوضع القائم حالياً لسوق الكويت للأوراق المالية، وما يشهده من ضعف على عدة مستويات يعد أمراً طبيعياً، في ظل موجة التحول من مرحلة مضاربية بحتة سادت سنوات، ويشهد مرحلة انتقالية أخرى، ربما طالت أكثر من اللازم، ولها مبرراتها.

وذكر الثامر أن السوق يحتاج أمرين مهمين هما:

1 - أن تعي الشركات أن السوق لم يعد سوقاً مضاربياً، وأن العودة للتركيز على الأنشطة التشغيلية الأساسية، والتوجه للاستثمارات المباشرة في القطاعات الواعدة كالصحة والتعليم والصناعة أمر مهم.

2 - معالجة ملف التحفظ في التمويل من البنوك، وهو أمر في ظل الوضع الحالي سيبقى صعباً، حيث إن عمليات رهن الأسهم باتت أصعب من ذي قبل، والبورصة تعاني، ولا يمكنها القيام بعمليات التمويل المباشر، مشيراً إلى أن معالجة هاتين النقطتين، سيغير الواقع بالنسبة للسوق.

وتابع الثامر أنه بالنسبة لملف صانع السوق، يجب الانتباه والتفريق بين دورة في زيادة سائلية السوق، من خلال توفير عرض وطلب والمحافظة على وضعية مناسبة لمن يريد الشراء والبيع، والنقطة الأخرى هي دورة في زيادة السيولة النقدية للسوق.

وفيما يخص ملف حسابات التداول، أشار إلى أنها في كثير من الأحيان، تكون أرقاماً خادعة، وعلى سبيل المثال، يوجد كم هائل من حسابات التداول في البورصة الكويتية، يتم فتحها لمهمة واحدة مثل بيع أسهم يتم توزيعها كمنحة، كما هو الحال في عمليات تأسيس بنوك أو شركات حكومية، مضيفاً أن الأسواق تحتاج إلى فلترة، وتصنيفٍ أدق لهذا الملف.

وعن سوق أبوظبي، أوضح أن أسواق الإمارات، بعد دخولها ضمن مؤشرات الأسواق الناشئة والتصنيفات التي تحصل عليها، حققت زخماً إيجابياً انعكس على جذب كثير من المستثمرين.