التصدي للأمراض النادرة
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
إلى جانب العاملين في المهن الصحية، كان بين حضور المؤتمر أطفال من المبتلين بهذه الأمراض ومعهم أسرهم، وعلى مدار فترة ما بعد الظهيرة، التقى العاملون في المهن الصحية في مجموعات صغيرة مع الأسر والأطفال، ومع استمرار المناقشة، كان أحد الأطفال يطلق من حين لآخر صرخة مروعة، وكان آخر يصدر أصواتا خشنة، وكان آخرون يذوون في مراحل مختلفة من التدهور.تصادف جلوسي على بُعد نحو قدم من طفلة صغيرة فاتنة، وأظن أن عمرها كان نحو سنتين، وكانت كل بضع دقائق تصاب بنوبة، فكانت عيناها ترتد إلى الوراء ويسقط رأسها على صدرها، والدواء الذي تتناوله هذه الفتاة قادر على منع أشد نوباتها عنفا فقط، ثم كانت تستعيد وعيها وتستأنف الضغط على شاشة كمبيوتر الأطفال الذي تحمله، وقد أمضى والدها المتألم الجلسة بالكامل يمسد ذراعها.كانت مشاهدة كيف يتألم الآباء أمرا بالغ الصعوبة، فكان بعضهم منتبها بشدة، وكانوا يطرحون العديد من الأسئلة؛ وبدا الأمر وكأنهم لم يتركوا بحثا علميا أو مدونة إلكترونية أو مقالا في صحيفة إلا اطلعوا عليه، وبدا آخرون في حالة حيرة واضطراب، وكان أسوؤهم حالا أولئك الذين كانوا يحدقون بنظرات تدل على يأس عميق. لقد سرق هذا الحظ العشوائي السيئ الذي أصاب أبناءهم بخلل جيني حياة أغلب الآباء، وحوّل أيامهم إلى سلسلة لا تنتهي من الزيارات لأطباء متخصصين، ويحتاج أغلب الأطفال إلى عدد كبير من الأدوية، وكثيرون منهم لابد من إطعامهم عن طريق أنابيب التغذية المعدية التي يتم إدخالها جراحيا من خلال شق في البطن، وكانت إحدى النساء هناك مع ابنها الذي يبلغ من العمر 32 عاما.الواقع أن الحكومات يمكنها القيام بالكثير لمساعدة المصابين بأمراض نادرة، فهي أولا قادرة على إعادة توجيه تمويل البحوث من المساعي البحثية الأقل أهمية إلى مشاريع في علم الوراثة الجزيئية تقدم أفكارا مفيدة بشأن الاضطرابات الأيضية، وثانيا بوسعها أن تقلل من عبء الروتين التنظيمي المفروض على التجارب السريرية الصغيرة للغاية التي تجرى على علاجات جديدة لأمراض نادرة، وأخيرا يستطيع صناع السياسات أن يعملوا على خلق الحوافز المالية، التي قد تشمل الإعفاءات الضريبية لمشاريع البحث والتطوير، لتشجيع شركات الأدوية على تطوير العلاجات التي لا يمكنها تقديم عوائد جذابة على استثماراتها لولا ذلك التشجيع.في عالَم الطب يكاد الممارسون لتخصصات قليلة صعبة ومستنزفة للوقت والجهد يبلغون في نظري مرتبة القديسين، وأود أن أضيف إليهم أطباء أورام الأطفال، والعاملين في وحدات الحروق، والمتطوعين الذين يعالجون المرضى المصابين بأمراض معدية فتاكة مثل الإيبولا، والمهنيين الذين يشخصون ويعالجون الأمراض الوراثية الموهنة للعزائم ويعملون مع الأسر المبتلاة، ومن المؤكد أن هؤلاء الأبطال المجهولين في احتياج إلى كل الدعم الذي يمكن تقديمه.* هنري ميللر | Henry I. Miller ، طبيب وعالم الأحياء الجزيئية، وزميل الفلسفة العلمية والسياسة العامة في معهد هوفر في جامعة ستانفورد، وكان المدير المؤسِّس لمكتب التكنولوجيا الحيوية في إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة. «بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»