التزام دولي يضاعف مسؤولية بغداد في الموصل
على مدى يومين، وفي قاعدة عسكرية قرب واشنطن، اجتمع وزراء دفاع وخارجية من 40 دولة، بينها الكويت، تشارك في التحالف ضد "داعش"، لبحث مستقبل المواجهة مع التنظيم المتشدد، الذي يحتل مدناً مهمة في العراق وسورية، ويضرب أوروبا في عمقها.وانتهى الاجتماع الخميس الماضي بالتزام واضح مع حكومة العراق، تضمّن منحة بملياري دولار، يخصص معظمها لإغاثة أعداد كبيرة جداً من النازحين، لكنه بقي التزاماً مشروطاً، وكشف في الوقت ذاته تبايناً غير سهل في تقدير المستقبل بين أجنحة الحكومة في بغداد، والدول الداعمة.وتحدث وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري رسمياً بنحو مقبول، طالباً استمرار التنسيق مع التحالف الدولي، لكنه في حديث مع مراكز أبحاث أميركية، ركز على مخاطر "التشدد السلفي السني"، منكراً وجود مشكلة طائفية في العراق، ومتجاهلاً انتهاكات ارتكبتها بعض الميليشيات الشيعية، بينما كان هناك خطاب مختلف لوزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، الأقرب إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى جانب مقاربات صريحة لوزير خارجية أميركا جون كيري، حين تحدث بصراحة بالغة مع العراقيين حول المستقبل.
واستعاد كيري نقطة جوهرية في الحرب ضد "داعش"، حين ذكر هو و"البنتاغون" أن العراقيين والتحالف الدولي نجحوا في استعادة نحو 80 في المئة من الأرض العراقية، التي يسيطر عليها "داعش"، الذي بقي محاصراً في الموصل وحدها تقريباً، لكنهما أشارا إلى أن طرد التنظيم من الأرض لا يعني هزيمة إمكاناته كشبكة إرهابية تتنقل حول العالم، وتضرب الاستقرار، وتنجح في الوصول إلى أهداف مهمة في العراق وأوروبا. لذلك حاول وزير الخارجية الأميركي الإشارة بوضوح، موجهاً كلامه إلى الحكومة العراقية، التي تقودها الأحزاب الشيعية، إلى ضرورة أن تستعد بغداد لمصالحة سياسية تصوغ مستقبل الإدارة والسياسة في الموصل والأنبار بعد طرد "داعش" من الأرض، والذي بات يبدو "مسألة وقت"، حسب مصادر عسكرية عدة.في هذا الإطار، قالت "البنتاغون" إن المحور الأساسي لنقاش حضره 30 وزير دفاع من دول التحالف، كان يدور حول "ماذا سيحدث بعد هزيمة داعش، وكيف نعيد الاستقرار والإعمار؟".ومنذ اجتياح "داعش" الأراضي العراقية سادت فرضية مهمة مفادها أن المعركة مع "التنظيم" ليست عسكرية فحسب، بل تتطلب تفاهمات سياسية تخفف شعور المجتمع السني بالظلم، لمنع ظهور عنف مستقبلي أو تمرد مناهض لحكومة بغداد، وهو ما تحدث عنه الوزير العبيدي قائلاً إن بغداد تحتاج إلى توفير تفاهمات سياسية بشأن معركة الموصل الوشيكة، ومستقبل الإدارة السياسية لتلك المنطقة بعد "داعش".وتطالب القوى السياسية في الموصل والأنبار بصلاحيات لا مركزية "ونوع من الحكم الذاتي"، تشمل الإدارة والملف الأمني، لمنح المجتمع هناك شعوراً بإمكانية استعادة الثقة والضمانات مع الحكومة التي يهيمن عليها تحالف شيعي منقسم هو الآخر، لكن هذا المطلب سيبقى قيد مناقشة ساخنة بين حلفاء إيران وأميركا، وقد لا يحسم بسهولة.أما الملف الآخر، الذي أشار إليه وزير الدفاع العراقي بغموض، فهو مشاركة قوات البيشمركة الكردية والحشد الشعبي الشيعي في معركة الموصل، إذ إن الجيش العراقي يحتاج إلى هذا الإسناد، وسط مخاوف من تسبب ذلك في إثارة نعرات طائفية وقومية في الموصل تعقد عملية إعادة الاستقرار.وترجح بعض المصادر أن القوات الكردية والحشد الشيعي سيساهمان في الإسناد عبر طوق صحراوي يحيط بالموصل، لكن دخول المدينة سيقتصر على الجيش العراقي وقوات النخبة، ونحو ١٥ ألف متطوع من المجتمع المحلي السني خصوصاً، منعاً لحصول انتهاكات وحساسيات تؤثر على خطط نجاح المعركة واستعادة الاستقرار، مع ضمانات "الوسيط الأميركي" الذي لا يوجد بديل عنه، كما تدرك معظم الأطراف محلياً وإقليمياً.