واصلت اللجنة الأولمبية الدولية كيلها بمكيالين في العديد من القضايا، ليؤكد القائمون عليها مجدداً أنهم ليسوا أهل ثقة بسبب تفريقهم بين دولة وأخرى، وتعاملهم مع بعض الملفات بلا منطق أو عدالة أو حُسن تقدير للأمور، فيما يتعاملون مع ملفات أخرى بأمر مثير للريبة، ولن نذهب بعيداً لضرب أمثلة بقرارات اتخذتها "الأولمبية الدولية" مع ملفي الكويت وروسيا أخيراً.في المقابل، واصل رئيس المجلس الآسيوي، رئيس "أنوك"، الشيخ أحمد الفهد، استفزازه لمشاعر الرياضيين الكويتيين بصفة خاصة والشعب الكويتي بصفة عامة، ليخرج لسانه للجميع في تصريحه المثير للاشمئزاز، والذي شهد تناقضاً غريباً يندى له الجبين خجلاً من تعاطيه المتغير مع الأمور المتشابهة.
وعلى الجانب الآخر، ضربت اللجنة الأولمبية الروسية أروع الأمثال في الوطنية واحترام الوطن والحكومات، حينما تضامنت قلباً وقالباً مع حكومة بلادها، عكس اللجنة الأولمبية الكويتية التي كانت المحرض الأول على تعليق النشاط الرياضي.
الوجه الآخر لـ«الأولمبية الدولية»
وأظهرت اللجنة الأولمبية الدولية في تعاملها مع الملف الروسي وجهها الآخر لرعاية الفساد والخضوع لقوى الضغط الدولي، بعد فضيحة التنشط الممنهج للعديد من الرياضيين الروسيين وبمباركة حكومية.وجاء قرار الأولمبية الدولية الذي رفض منع الرياضيين الروس من المشاركة في الأولمبياد والسماح لهم بالمشاركة في ريو دي جانيرو، مع إحالة ملف كل لعبة إلى الاتحاد الدولي المنوط بها، لاتخاذ ما يراه مناسبا، محبطاً ومفاجئاً لكثيرين، خصوصا أن المنظمات الدولية وعلى رأسها الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (وادا) كانت تطالب بمنع جميع الرياضيين الروسيين من المشاركة كعقوبة مستحقة للتصرفات الحكومية.وبمقارنة بسيطة بين الملفين الكويتي والروسي، نجد أن اللجنة الأولمبية الدولية لم تضع في اعتبارها مصلحة الرياضيين الكويتيين على الإطلاق، واتخذت بحقهم قرارا ظالما ومتسرعا تمثل في تعليق النشاط الرياضي على المستوى الخارجي في 27 أكتوبر الماضي، بحجج واهية وغير منطقية، وهي وجود تعارض بين القوانين الكويتية والميثاق الأولمبي الدولي، والتدخل الحكومي في شؤون الرياضة، إلى جانب عدم جدية الحكومة الكويتية في التصدي للمنشطات، لاحظوا العقوبة القاسية الظالمة على ادعاء عدم الجدية!وإذا افترضنا جدلا صحة حجتها، فإنها بذلك تناقض نفسها بقوة، إذ عاقبت الرياضيين الكويتيين بسبب أخطاء حكومية تقديرية (إن وجدت) وليست ممنهجة، في حين أن الحكومة الروسية لعبت دوراً خطيراً في رعاية تنشط رياضييها والتستر عليهم، بحثاً عن ميداليات وإنجازات مزيفة، وهو أمر خطير للغاية، ومع ذلك لم تتجرأ في اتخاذ عقوبة في حق روسيا، بل كانت طوال الأيام الماضية تبحث لهم عن المخرج الأمثل، رغم أن الواقعة الروسية حدثت مع سبق الإصرار والترصد، بينما اتخذتها في حق الكويت بحجة عدم جدية حكومتها في التصدي للمنشطات، ولا نعلم حجم العقوبة الذي كان يمكن أن توقعها اللجنة على الكويت في حالة تشابه الموقف بين الحكومتين في الكويت وروسيا، ومع الأسف الشديد كانت المحصلة عدم مراعاة مصالح الرياضيين في الكويت مراعاتهم في روسيا في موقف يدل على منتهى التناقض!وهناك أمر مهم للغاية، فاللجنة الأولمبية الدولية في تعاملها مع الأزمة الرياضية الكويتية، كانت تطالب جميع الاتحادات الرياضية الدولية بمعاقبة الكويت وتعليق نشاطها، فيما أحالت القرار النهائي إلى الاتحادات الدولية لمشاركة الرياضيين الروسيين في الأولمبياد، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا اتخذت بنفسها قرار تعليق النشاط الكويتي بهذه السرعة؟ ولماذا لم تحل الملف إلى الاتحادات الدولية والآسيوية لاتخاذ القرار النهائي؟الفهد يدعم «المتنشطين» ويحارب المظلومين!
نأتي لتصريح الشيخ أحمد الفهد الذي دعم فيه قرار اللجنة الأولمبية الدولية، ودعم كذلك مشاركة الرياضيين الروس، واللافت في الأمر أن الفهد لم يدعم موقف الكويت أمام "الأولمبية الدولية"، ولم يساند بلاده في هذه الأزمة، بل راح يتحدث في كل صوب وحدب عن معارضة القوانين الكويتية للميثاق الأولمبي الدولي، موضحاً في العديد من المناسبات أن الهيئات الرياضية الدولية وضعت عددا من الشروط للحصول على عضويتها، وعلى من لم يلتزم بهذه الخروج من هذه المنظمات.ولا ندري أيهما أخطر على الرياضة والمنظمات الدولية، هل هو قانون ينظم العمل في الهيئات الرياضية من قبل حكومة؟ أم رعاية الدولة لتعاطي رياضييها للمنشطات وتسخير كافة إمكاناتها للتستر عليهم وعدم كشفهم؟ومن المؤكد أن صمت الفهد تجاه القضية الروسية كان أفضل كثيرا له، حتى لا يثير مشاعر رجل الشارع الكويتي، خصوصا في ظل تناقض مواقفه ودعمه اللامحدود للآخرين، فالواضح أن دعم الفهد للملف الروسي يأتي بحثا عن مصالح شخصية!ويا ليت أحمد الفهد يتعلم أنه "إذ كانت الكلمة من فضة فالصمت من ذهب"، لكن علينا أن نتعلم نحن أن الكلام أحيانا قد يجلب "الرزق"، وقد يغير قوانين لا تتوافق مع المصالح الشخصية للبعض! ولا عجب في أن يكون موقف المجلس الأولمبي الأوروبي عبر رئيسه الإيرلندي باتريك هيكي مشابهاً لموقف حليفه الاستراتيجي الشيخ أحمد الفهد، فكلنا يعرف ويتذكر مواقف هيكي السلبية تجاه قضية الكويت، وها هو ينحني للمصالح في القضية الروسية.سلبية «الكويتية» وإيجابية «الروسية»
وقد لعبت اللجنة الأولمبية الروسية دورا رائعا، أكدت فيه ولائها لبلادها، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، حيث دافعت عن موقف حكومتها واللاعبين المتنشطين باستماتة حتى لا تغيب روسيا عن ريو دي جانيرو بشكل تام.بينما لعبت اللجنة الأولمبية الكويتية دورا إيجابيا للغاية في تعليق النشاط من خلال الكتب الملغومة التي أرسلتها تباعا، وكشفت "الجريدة" النقاب عنها غير مرة، وهي كتب تحريضية ضد القوانين الكويتية التي لم تتفق مع مصالح المنتفعين.وقبل تعليق النشاط التزمت الأولمبية الكويتية الصمت تماماً، وكانت سلبية للغاية بعد أن لعبت دورها بنجاح، ولم تعمل قيد أنملة على حماية الرياضيين والحركة الرياضية، ولن تعمل مستقبلا بالطبع في حال استمرار رئيسها وأعضائها.إحباط وخيبة أمل
وأثار قرار اللجنة الأولمبية الدولية العديد من علامات الاستفهام، كما صدر خيبة الأمل والإحباط بسبب السماح لبعض الرياضيين الروس بالمشاركة، وأوضحت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (وادا)، التي كانت من أبرز المطالبين باستبعاد شامل لروسيا عن الألعاب إنها ستعمل جاهدة "من أجل الوصول الى أفضل النتائج الممكنة لمصلحة الرياضيين النظيفين"، معربة "عن أسفها" لقرار اللجنة الأولمبية الدولية.وقال رئيس وادا، الاسكتلندي كريغ ريدي، إن "وادا تشعر بالخيبة، لأن اللجنة الاولمبية الدولية لم تأخذ في عين الاعتبار توصيات لجنته المستندة إلى نتائج تحقيق المحامي الكندي ماكلارين، والتي كانت ستضمن مقاربة واضحة، قوية ومتسقة".بدوره، اعتبر المدير التنفيذي للوكالة الأميركية للمنشطات، ترافيس تايغارت، في بيان، أن القرار الذي اتخذ الأحد خلف فوضى مربكة وشكل ضربة قاسية لحقوق الرياضيين "النظيفين"، مشددا على أن اللجنة الأولمبية الدولية "رفضت أن تلعب دورا قياديا حاسما".مكافأة المخطئ ومعاقبة المتعاون!
في دليل على تكييف اللوائح بحسب المصلحة، ومحاباة الأنظمة والدول بحسب قوتها وتأثيرها، لن تتمكن العداءة الروسية يوليا ستيبانوفا، التي كانت وراء الكشف عن وجود نظام تنشيط ممنهج في روسيا، من المشاركة في اولمبياد "ريو"، بحسب ما أعلنت اللجنة الاولمبية الدولية.وكانت "الأولمبية" تدرس حالة ستيبانوفا، عداءة الـ800م، لتقرر اذا كانت ستسمح لها بالمشاركة في العاب "ريو 2016" تحت علم محايد بعد مساهمتها في الكشف عن نظام التنشط في بلادها، والذي ادى الى حرمان رياضيي العاب القوى الروس من المشاركة.لكن القرار اتخذ الأحد بحرمانها من المشاركة أيضا، لسقوطها في اختبار للمنشطات عام 2013، وهو ما يعني أن اللجنة الأولمبية الدولية كافأت روسيا الدولة، التي رعت التنشط الممنهج بمنح الفرصة لرياضييها الذين من الممكن أن يكون أحدهم قد نفذ من العقاب تحت غطاء التستر الحكومي، وعاقبت الرياضية التي كانت وراء الكشف عما يمكن وصفه بأكبر فضيحة رياضية في التاريخ الأولمبي، رغم أنها قضت عقوبة مدة 3 سنوات، فعن أي مصلحة رياضية يتحدث مسؤولو اللجنة الأولمبية الدولية؟!