ما أخفوه عنك في مشروع «البصمة الوراثية» (1)!
"رب ضارة نافعة". لم أجد أنسب من هذه العبارة لأبدأ بها هذا المقال، وللموضوع حكاية، حيث كنت نشرت تغريدة في "تويتر" منذ أشهر، عندما ظهر خبر "توجه وزارة الداخلية" لجمع ما أسمته بالبصمة الوراثية لكل من يقطن على هذه الأرض ومن يدخلها أو يخرج منها، من كويتيين وغيرهم، قلت فيها ما معناه بأن الجماعة يحسبون الأمر نزهة في إشارة إلى صعوبة تطبيق الأمر على أرض الواقع، نظراً لما أعرفه عن جماعتنا، أعني حكومتنا، من ضعف إداري وتنسيقي منقطع النظير.اليوم صدقت توقعاتي، فقد نشرت جريدة "الجريدة" في صفحتها الأولى لعددها الصادر في ٢٣ يوليو ٢٠١٦م خبر "اصطدام المشروع بتعقيدات وعوائق كثيرة، أبرزها عدم تشكيل هيئة خاصة بالبصمة، وعدم تحديد جهة مسؤولة عن إدارة البنك الخاص بها، فضلاً عن آلية تخزين العينات المزمع أخذها من المواطنين"، ولا أعود اليوم لأذكر بصدق توقعاتي من باب المزايدة، بل لمجرد التأكيد على ما ذهبت إليه في ذلك الوقت من صعوبة التطبيق، رغم إصرار البعض على ذلك.السؤال هنا، لماذا أعارض إلى هذا الحد مشروع البصمة الوراثية، مستبشراً اليوم بتعثره، برجاء أن يلغى تماماً. سأشرح لكم السبب، مبتدئا بالجوانب التي أعلنوها عن إيجابية الموضوع وبساطته.
نعم، إجراء أخذ العينة الوراثية بسيط جداً في الظاهر، فهو مجرد عينة تؤخذ من الجدار الداخلي للفم أو الشفة، ولا تستغرق سوى بضع ثوان، ونعم، هذه العينة الوراثية ستكشف صحة انتساب الفرد لوالديه، وستفيد تبعاً لذلك في التدليل على استحقاقه للحصول على الجنسية "الكويتية". ولكن، وبالرغم من حرص "الجماعة" على استخدام مصطلح "البصمة الوراثية" في كل تصريحاتهم وأخبارهم، في محاولة منهم لتهوين الحكاية، وتبسيطها في أذهان العامة وأنها مجرد "بصمة" فلماذا كل هذه الضجة والاعتراض، فإن المسألة أكثر من ذلك بكثير كما سيتبين لكم أدناه.يعني مصطلح "البصمة الوراثية" ذلك الفحص الوراثي الذي يمكن من خلاله التعرف على أن العينة المفحوصة تعود لصاحبها دون سواه ودراسة ارتباطه بأفراد عائلته من أب وأم وإخوة، وقد سمّيت بالبصمة لأنه يكاد تشابه شخصين في سمات هذه العينة يستحيل (اللهم إلا التوائم المتطابقة)، كما تستخدم هذه العينة في علم الجريمة لربط المتهمين بالجرائم التي يعثر فيها على بقايا بشرية يمكن أن يتم فحصها وراثياً، ومقارنة تشابهها مع العينة المحفوظة أو المأخوذة منهم مباشرة.هذا هو تعريف البصمة الوراثية، لكن المشروع المعلن عنه، يتعدى ذلك بكثير، حيث إن العينات التي ستؤخذ لن تفحص بهذه الطريقة ولهذا الغرض فحسب، ولن يتم إعدامها بعد ذلك، كما هو معمول به في كل دول العالم التي تعتمد الفحوصات الوراثية، ووضعت لذلك قوانين وقواعد ولوائح صارمة (مثال: أميركا وبريطانيا وبقية دول العالم المتقدم)، بل سيحتفظ بتلك العينات في مختبر (أو بنك للعينات)، لتصبح بعد ذلك عرضة لكل الفحوص الوراثية المتاحة. بمعنى أنهم سيأخذون كل شفرتك الوراثية، أي كل خريطتك الوراثية وسيحتفظون بها إلى الأبد، والسؤال المباشر هنا، ما الفحوص الأخرى الممكنة؟ وما المعلومات التي يمكن أن تكون متاحة من هذه الخرائط الوراثية الكاملة التي سيتم جمعها؟الإجابة المركزة والبعيدة عن التعقيد عن هذا السؤال سآتي بها بإذن الله في الجزء الثاني من هذا المقال، فإلى لقاء قريب.