النخب الفاسدة!
الدين والدولة عنوان مهم يطرحه منتدى أصيلة الثقافي بالمملكة المغربية في دورته الـ38 وبمشاركة مجموعة من المفكرين والمتخصصين العرب، حيث يتم التركيز على مفهوم النخبة ودورها بكل ما يتعلق بأمور الدولة وصناعة القرار في ظل الظروف التي تواجه العالم العربي منذ عدة سنوات.السنوات الخمس الأخيرة أدخلت الدول العربية بشعوبها وسلطاتها الحاكمة ومؤسساتها المختلفة في دوامة متاهات قد يكون الخروج منها بمثابة معجزة، ليس فقط لأن الفأس وقعت بالرأس، أو لأن الكثير من مدنها الرئيسة قد دمرت، والملايين من شعوبها قد هجّرت، ومواردها قد تبددّت من جراء التناحر الداخلي والاقتتال الأهلي، فهذه الأعراض كلها مجرد نتيجة لواقع مؤلم قائم منذ فترة طويلة لكنه انفجر في هذا الوقت.معظم الدول العربية، وعلى الرغم من بقائها على مدى نصف قرن من الزمان، لم تقم على أسس قوية أو تلبية لمتطلبات الدولة القومية الحديثة التي وصل عددها إلى قرابة 200 دولة، تشترك كلها تقريباً معنا في التنوع الإثني والديني والتفاوت الاجتماعي، لكن الكثير منها نجحت في خلق كيان متكامل قادر على الاستدامة والتطور الذاتي ومبدأ التعايش السلمي، وأن مستلزمات هذا الكيان يتمحور على مثلث التفاهم والتغذية المتبادلة بين أضلاع مثلث يتكون من السلطة والشعب والثقافة الوطنية، وهذه المكونات الثلاثة تتطلب في حد ذاتها التجديد والمرونة في استيعاب كل ما هو جديد واستثماره بإيجابية لمصلحة الشعوب.
الدول العربية استقلت من الاستعمار، والعديد منها بحروب ومواجهات دموية حتى التحرير، وبشعارات وطنية وقومية رائعة في عناوينها وواعدة في مفاهيمها، وتولت السلطة فيها إما النخب العسكرية أو النخب الفكرية والثقافية أو النخب الاجتماعية، لكن هذه النخب سرعان ما تركت موروثها الفكري ووجهت اهتماماتها نحو تكريس النفوذ والسلطة، وتجميع الحاشية الفاسدة بسبب فقدان الثقة بالمكونات الأخرى، وبات همها الأول والأخير تجميع القوة وتكريس الثروة من الأموال العامة، وتركت شعوبها على أطلال ما خلفته حقبة الاستعمار من معالم الدولة ومؤسساتها ومبانيها المعمارية وحتى دساتيرها وقوانينها، لذا زادت معظم هذه الدول تخلفاً بل بلغت المآسي فيها إلى تفشي الجوع والبطالة والفقر والحرمان، والأهم من ذلك عدم القدرة على إعلان حجم الألم أو الإفصاح عنه.أمام هذه الحالة المأساوية برز البديل في بعده الديني، باعتباره المنقذ والملهم والمستمد من مشرب مقدس، وانقسم المؤمنون بفكرة الدين والدولة إلى فريقين رئيسين لا ثالث لهما تقريباً، فريق يمثل وعاظ السلاطين يبرر سلطتهم المطلقة، ويحرض على المزيد من البطش باسم الدين وبمبررات ابتدعوها، في حين يتمتعون مقابل ذلك بالسجاد الأحمر والقصور والأموال والهدايا، وفريق متعطش للسلطة باسم الدين أيضاً، فاستغل ألم الشعوب العميق ليطرح كل أدوات العنف والتطرف، ولم يتردد في تبني الإرهاب سلوكاً يومياً وفكراً يغذي عقول الشباب، ويبيع لهم الجنة بالمجان مقابل قتل الآخرين من خلال قتل أنفسهم بعمليات انتحارية، هذه النخبة أيضاً تحصنت في بروج عاجية، واستحوذت على القصور والأموال والسيارات الفارهة، في حين قذفت جموع مؤيديها في الجحيم.بين هذا التطرف السلطوي والتزمّت الجديد الصاعد، يكون لزاماً شق طريق ثالث يجمع بين الحزم والاعتدال، يقف في مواجهة السلطات المركزية الفاسدة في مقابل اللين والشفقة والثقة بالشعوب، ويقف شامخاً بين التبرير للفساد والتصدي للتزمّت الديني باسم الإسلام السمح المخترق للقلوب والوجدان، نتمنى من المشاركين في منتدى أصيلة تسليط الضوء على هذا الأمل الوحيد المتبقي للشعوب العربية!