لا يختلف اثنان على أن مجتمعنا الصغير يعاني استقطابات طائفية وفئوية حادة، وعملية تفتيت اجتماعي شبه مُمنهج ازدادت حدته في السنوات الأخيرة، وهذا كله ناتج عن عوامل سياسية داخلية متعارضة مع الدستور والنظام الديمقراطي، وسياسات كثيرة تشجع على الطائفية والفئوية من ضمنها المحاصصة السياسية التي لا علاقة لها بقضية المواطنة الدستورية، والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. وهناك أيضاً ظروف إقليمية أدت دورا مؤثراً في الوصول إلى هذه الاستقطابات الطائفية والفئوية المؤسفة خصوصا بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ثم استخدام دول الاستعمار الجديد في المنطقة للعامل الطائفي من أجل بسط نفوذها، ناهيك عن تداعيات الحرب الباردة بين السعودية وإيران.
العوامل الداخلية والخارجية ما زالت قائمة، وتلقي بظلالها القاتمة على المشهد السياسي المحلي الذي يعاني فوضى سياسية، ويتسيده خليط عجيب من مجاميع طائفية وفئوية ترفع شعارات دينية ورجعية متخلفة وتستخدم خطاب كراهية بغيضا، مما يشيء بأن القادم سيكون أسوأ في ما يتعلق بقضية الاندماج الاجتماعي، وتماسك الجبهة الداخلية، ما لم يتم تدارك الأمر ووضع حد للاستقطابات الطائفية والفئوية البغيضة.لقد بدأت جماعات وعناصر طائفية في شحذ سكاكينها استعداداً لمعركة انتخابية قادمة سيكون عنوانها الأبرز، وربما الوحيد، هو الطائفية، وهي معركة نتائجها معروفة سلفاً، إذ لا صلة لها البتة بمشاكل المواطنين أو قضاياهم المعيشية والوطنية المشتركة، هذا ناهيك عن أنها تتعارض مع النظام المدني الديمقراطي الذي وضع أسسه الدستور، وهو الأمر الذي يتطلب تحركاً سريعاً على الصعد كافة لوقف التدمير المُمنهج للنسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة الدستورية، ثم إبراز الهوية الوطنية الجامعة. كيف؟ المسؤولية، كما هو معروف، على قدر السلطة، ومسؤولية تغيير الواقع الحالي، والتصدي للطائفية، ووقف عملية تفتيت المجتمع وتمزيقه تقع بالدرجة الأولى على السلطة السياسية ممثلة بالحكومة التي من واجبها وضع برامج وسياسات عامة متطورة تنقل المجتمع إلى وضع أفضل. وفي هذا السياق فإن البداية ينبغي أن تكون بعملية إصلاح سياسي-ديمقراطي تنطلق من تنظيم العمل السياسي وإشهاره على أسس وبرامج سياسية وطنية، بحيث تُحظر أي جماعة أو عناصر ترفع شعارت دينية وطائفية وعرقية وعنصرية، ثم إقرار نظام انتخابي جديد وعادل لا يتوقف عند عدد الأصوات الانتخابية فقط، بل يتعداه إلى طريقة توزيع المناطق الانتخابية الموزعة حالياً على أساس طائفي وفئوي، وتشكيل قوائم سياسية نسبية تتنافس في طرح برامج سياسية وطنية تتصدى لقضايا المجتمع المُلحّة، وتُعالج مشاكله العامة مثل الفساد السياسي المؤسسي، والبطالة، والإسكان، والتعليم، والصحة، والبيئة، والتضخم وغلاء الأسعار وغيرها.وبالطبع، فإن مسؤولية الحكومة لا تعني إخلاء طرف القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية والتقدمية التي تقع عليها مسؤولية رفع الوعي العام، والتصدي لخطاب الكراهية الطائفي والفئوي والعنصري، مع عدم مجاملة المجاميع الطائفية والفئوية والعنصرية، أو الاصطفاف معها من أجل مكاسب سياسية آنية لا قيمة لها مقارنة بأضرارها على الوطن.الوضع العام لا يحتمل التأخير، فدرجة الغليان مرتفعة في المنطقة، وشعار الطائفية مرفوع بقوة وتطرف أيضاً، أما الوضع الداخلي فليس على ما يرام، إذ من السهولة بمكان على أي جماعة طائفية أن تدغدغ عواطف الناس وتُضللهم، ثم تستخدمهم في معركتها الطائفية البغيضة، لذلك فلا بد من البدء بعملية الإصلاح السياسي-الديمقراطي وتوسيع الحريات العامة وحمايتها، وإلا فلنتوقع المزيد من الفوضى السياسية والتفتيت الاجتماعي، وعندئذ فإن أي حديث رسمي عن خطط التنمية، والتطور، والتقدم الاجتماعي هو حديث "مأخوذ خيره"!
مقالات
سكاكين الطائفية
27-07-2016